مقالات فلسفية شعبة اداب وفلسفة 2018 الجزء الثاني
مقالات فلسفية شعبة اداب وفلسفة 2018
----------------------Page 12 End-----------------------
- 13
التقيد بالصالح العام وهذا ما يفرض علينا احترام القانون أخلاقيا كان أم اجتماعيا
الخاتمة :إن التعامل في العلاقات الإنسانية وقيام العدالة الاجتماعية يتم بالقانون الذي يعتمد على العقل وبالأخلاق التي تعتمد على
العاطفة فإذا كان القانون يمثل روح هذه العلاقات فان الأخلاق يمثل حرارتها.
الدرس :الحقيقة الفلسفية والحقيقة العلمية إلى أي حد يمكن اعتبار الحقيقة مطلقة في الفلسفة ؟
طرح المشكلة" :احتمال وجود رأيين جدليين متناقضين"
إن موضوع الحقيقة اتخذ وجها ت نظر متعددة من طرف الفلاسفة ،والمفكرين ،والعلماء .فهنالك من يرى أن الحقيقة مطلقة دون
إدخال الذات ،وهنالك من يرى أن الحقيقة نسبية متغيرة حسب معرفة الذوات لها ،دون وجود طابع موضوعي أو خارجي ،ففي
ظل هذا التعدد والتباين في فهم الحقيقة وإدراكها على حقيقتها الحقه ،يمكننا طرح تساؤلات عدة حول مشكلة الحقيقة في الفلسفة :إلى
أي مدى يمكن إعتبار الحقيقة مطلقة دون وجود ما يسمى بالنسبية في الفلسفة ؟
محاولة حل المشكلة:
-1الأطروحة:
إن مقياس الوضوح والبداهة والصدق واليقين هو أساس الحقيقة المطلقة للفلسفة ،ومن هؤلاء الفلاسفة والمفكرين نجد أمثال الفيلسوف
الفرنسي "رينيه ديكارت" الذي يعتبر قطب رئيسي للفلسفة الحديثة ،ولقد فجر العصر الحديث بمقولته المشهورة >> :أنا أفكر إذن
أنا موجود << هذا الكوجيتو الذي يحمل حقيقة مطلقة في البديهيات الرياضية التي تعتبر ضرورية وواضحة بذاتها كقولنا مثلا في
البديهيات ،أن الواحد أكبر من الجزء أو أن اثنان ضعف الواحد وأن ، 2=1+1وفكرة البداهة والوضوح لدى ديكارت لم تظهر لهذا
الوجود إلا إذا تبين أن ذلك الشيء البديهي حق وعدم التقيد بالأفكار السابقة ،وفكرة الوضوح لن تتأتى إلا بالشك المنهجي المنظم
الذي يحقق نتائج صحيحة وواضحة دون شك هدام بمعنى دون الشك من أجل الشك ،بل الشك الذي هو في حد ذاته تفكير ،وفي هذا
المقام يتحصل ديكارت على الحقيقة المطلقة عن طريق ما يسمى البداهة والوضوح وذلك وفق وضوح التفكير ،وهنالك إلى جانب
هذا الرأي وهو رأي الفيلسوف الهولندي" :باروخ إسبنوزا" الذي يرى بأنه ليس هناك معيار للحقيقة خارج عن الحقيقة ،بل مجمل
الحقيقة كلها تتجلى في فكرة الصدق حيث أن النور يكشف عن نفسه وعن الجهل ،وكذا العدل يكشف عن نفسه ومعيار الكذب ،وكذا
الخير يكشف عن نفسه وعن الشر ،هذا ما نفهمه من خلال الفيلسوف اليوناني سقراط حينما أراد تجسيد العدالة في المجتمع ،حينما
حارب السفسطائيين في قضية مطلقة الأخلاق حيث اعتقدوا أنها ذاتية وخاصة ،وخاصة فكرة العدالة والتي من أجلها مات عن طريق
الإعدام .في هذا المقام تكمن الحقيقة المطلقة دون منازع.
-2نقيض الأطروحة:
حقيقة إن الحقيقة المطلقة تتجلى في الوضوح ،والبداهة ،والصدق ،واليقين ،والثبات وما هو دائم سرمدي ،ولكن هناك من عارض
معارضة شديدة هذا الطرح للحقيقة ،وأعطى بديلا فلسفيا يتجلى في الحقيقة النسبية .وفي هذا الموقف النقيض هناك فلاسفة أمثال
"بيرس شارل" الذي يرى أن الحقيقة نسبية وذلك من خلال فكرة النفع أي المصلحة من خلال أي فعل أو سلوك من أي إنسان وجب
أن يترجمه العمل والتطبيق وفي هذا الصدد يقول "بيرس"" :إن تصورنا لموضوع ما هو تصورنا لما قد ينتج من هذا الموضوع من
آثار عملية لا أكثر" ،ومعنى هذا القول أن المعارف الصحيحة إنما تقاس بالنتائج التي تترتب على طبيعتها في الواقع وإن حققت لنا
نتائج إيجابية ملموسة كانت صحيحة ،وإذا لم تحقق ذلك كانت خاطئة ،وهناك أيضا "وليام جيمس" الذي يقول" :إن كل ما يؤدي إلى
النجاح فهو حقيقي" وأيضا يقول' :الحق ليس التفكير الملائم لغاية" ،ومعنى هذا القول عند جيمس هو أن الحق عندما يكون حقا إلا
إذا كانت مصلحة ما دون وجود غايات ،لأن لو كانت هناك غاية لأصبحت الحقيقة مطلقة ،وهذا غير موجود في البرغماتية ويضيف
"جيمس" مبينا بأن العدد ( )22بإمكان إحتمال وجود هذا العدد بهذه الصورة باحتمالات عدة ،فبإمكان أن يكون مكعب العدد (، )3
أو حاصل ضرب ( ، )3×9أو حاصل جمع ( ، )1+22أو باقي طرح ( )23من ( )111أو بطرق لا نهاية لها ،وهذا بإمكاننا القول
بأنها احتمالات صادقة وذلك حسب ما نضيفه نحن إلى العالم لأنه من صنعنا نحن ،أي من ذواتنا دون وجود حقيقة مطلقة ،بل هناك
حقيقة نسبية وكما نجد "جون ديوي" الذي يرى أن التفكير يعتبر أداة أو وسيلة نلجأ إليها كلما صادفتنا مشكلة تعترض سبيلنا ،وذلك
عن طريق حل هذه المشكلة عن طريق إبتكار الوسائل الضرورية وتجاوز المواقف المعقدة ،وهنا بالضبط الحقيقة النسبية ،لأنه لا
تحصل دفعة واحدة ،بل تنمو وتتطور وتتراكم بالعمل والتجارب.
-3التركيب:
-----------------------Page 13 End-----------------------
16
إن الحقيقة ليست واحدة بل هناك حقائق تتجلى في الحقيقة المطلقة حسب ما هي موجودة في فكرة الوضوح والبداهة عند العقلانيين ،
والحقيقة النسبية التي تؤسسها المنفعة و المصلحة عند البرغماتيين ،ولكن كلا من الوضوح والنفع يحكمها معيار نسبي أي أنه متغير
غير ثابت ،لأن معيار الحقيقة في منطق الوضوح والنفع كلاهما نسبي غير مطلق.
حل المشكلة" :الفصل في المشكلة المتجادل فيه"
إن معيار الحقيقة في الفلسفة من جهة الوضوح والنفع ليس بالإطلاق ،بل بنوع من النسبية والتغير ،لأن الحقيقة المطلقة تتواجد في
الحقائق الرياضية والعلمية والفيزيائية نتيجة معيارها التجريبي ،غير شأن الحقيقة في الفلسفة.
الدرس :الرياضيات والمطلقية الطريقة :جدلية
الإشكال:هل ترى أن المفاهيم الرياضية في تطورها نابعة من التجربة أم من العقل ؟
لقد انقسم المفكرون في تفسير نشأة المفاهيم الرياضية إلى نزعتين ،نزعة عقلية أو مثالية يرى أصحابها أن المفاهيم
الرياضية من ابتكار العقل دون التجربة ،ونزعة تجريبية أو حسية يذهب أنصارها إلى أن المفاهيم الرياضية مهما بلغت من
التجريد العقلي فإنها ليست من العقل في شي وليست فطرية ؛بل يكتسبها الإنسان عن طريق تجاربه الحسية فما حقيقة الأمر
؟فهل المفاهيم الرياضية في نموها انبثقت من التجربة أم من العقل ؟
يرى أصحاب الاتجاه المثالي أو العقلي أن المفاهيم الرياضية نابعة من العقل وموجودة فيه قبليا فهي توجد في العقل قبل
الحس أي أن العقل لم يفتقر في البداية إلى مشاهدة العالم الخارجي حتى يتمكن من تصور مفاهيمه وإبداعها وقد كان على
رأس هذه النزعة أفلاطون الذي يرى أن المعطيات الأولية الرياضية توجد في عالم المثل فالخطوط والأشكال والأعداد توجد
في العقل وتكون واحدة بالذات ثابتة وأزلية يقول أفلاطون(إن العلم قائم في النفس بالفطرة والتعلم مجرد تذكر له ولا يمكن
القول أنه اكتساب من الواقع المحسوس)؛فهو يرى أن المفاهيم الرياضية لا ندركها إلا بالذهن وحده ،فالتعريفات الرياضية
مجالها ذهني ولا تتحقق إلا بواسطة العقل دون حاجة إلى المحسوسات فالتعريفات للحقائق الرياضية واحد لا يتغير واضح
متميز وعلى شاكلة هذا الطرح ذهب ديكارت إلى أن الأعداد والأشكال الرياضية أفكار لا يجوز فيها الخطأ وفي هذا يقول
(إنها ما ألقاه الله في الإنسان من مفاهيم)أي بمعنى المفاهيم الرياضية ويؤكد مالبرانش من جهته ذلك حيث يقول(إن العقل لا
يفهم شيئا ما إلا برؤيته في فكره اللانهائي التي لديه وأنه لخطأ خالص أن تظن ما ذهب إليه فلاسفة كثيرون من أن فكره
اللانهائي قد تكونت من مجموعة الأفكار التي تكونها عن الأشياء الجزئية بل العكس هو الصحيح ،فالأفكار الجزئية تكتشف
وجودها من فكره اللانهائي كما أن المخلوقات كلها تكتسب وجودها من الكائن الإلهي الذي لا يمكن أن يتفرع وجوده عن
وجودها )إننا فيم يقول لم نخلق فكرة الله ولا فكرة الامتداد بكل ما يتفرع عنها من حقائق رياضية وفيزيائية فقد جاءت إلى
عقولنا من الله و يمكن أن نضم كانط إلى هذه النزعة رغم أنه كان يقصد التركيب بين التفكير العقلي والتفكير الحسي فهو
يرى أن الزمان والمكان مفهومان عقليان قبليان سابقان لكل معرفة تجريبية ويؤطرانها وهم يرون أن هذه الحقائق تدعم
نظرتهم وهي كالتالي :إن الملاحظة لا تكشف لنا على الأعداد بل على المعدودات كذلك أن المكان الهندسي الذي نتصوره
على شكل معين يشبه المكان الحسي الذي نلاحظ بالإضافة إلى أن الخط المستقيم التام الاستقامة لا وجود له كذلك بعض
القوانين كالعلاقات بين الأشكال كما أن الكثير من المعاني الرياضية مثل 7.0لا ترجع إلى الواقع المحسوس .
إن القول بهذا الرأي لم يصمد للنقد ذلك أنه مهما تبدو المعاني الرياضية مجردة فإنه لا يمكن القول بأنها مستقلة عن
الواقع الحسي و إلا فكيف نفسر الاتجاه التطبيقي للهندسة لدى الشعوب القديمة خاصة عند الحضارات الشرقية في استخدامها
الطرق الرياضية في الزراعة والحساب وهذا ما يدل على ارتباط الرياضيات أو التفكير الرياضي بالواقع .
وعلى عكس الرأي السابق نجد أصحاب المذهب الحسي أو التجريبي مثال جون لوك *دافيد هيوم* جون ستورات مل
يرون أن المفاهيم الرياضية في رأيهم مأخوذة-مثل جميع معارفنا -من صميم التجربة الحسية ومن الملاحظة العينية ،فمن
يولد فاقدا لحاسة فيما يقول هيوم لا يمكن بالتالي أن يعرف ما كان يترتب على انطباعات تلك الحاسة المفقودة من أفكار
فالمكفوف لا يعرف ما اللون والأصم لا يعرف ما الصوت ،إن الانطباعات المباشرة التي تأتينا من العالم الخارجي هي بمثابة
توافد للأفكار ومعطيات للعقل ،ونجد جون ستوارت ميل يرى (أن المعاني الرياضية فيما يقول والخطوط والدوائر التي
يحملها كل واحد في ذهنه هي مجرد نسخ من النقط والخطوط والدوائر التي عرفها في التجربة ) ،وهناك من الأدلة والشواهد
من الواقع النفسي ومن التاريخ ما يؤيد هذا الموقف ،فعلم النفس يبين لنا أن الأعداد التي يدركها الطفل في بادئ الأمر كصفة
للأشياء ولكنه لا يقوى في سنواته الأولى على تجريدها من معدوداتها ثم أنه لا يتصور إلا بعض الأعداد البسيطة فإذا ما زاد
على ذلك قال عنه (كثير ) فمثلا لو أعطينا طفل ثلاث حبات زيتون وأعطينا بالمقابل أخاه الأكبر خمس حبات فنلاحظ أن
الطفل الصغير يشعر بضيق كبير لأنه يرى أن حصته أقل من حصة أخيه لكن حكمه لا يستند إلى أن حصة أخيه الأكبر
تفوقه بـ ( )2لأن هذه العملية تتطلب منه النظر إلى كمية الزيتون باعتبارها وحدات مجردة من منافعها ثم طرح مجموع
الوحدات التي لديه من مجموع الوحدات التي كانت من نصيب أخيه وهذه العملية ليس بوسع الطفل القيام بها في مرحلته
الأولى ،كذلك أن الرجل البدائي لا يفصل هو الآخر العدد عن المعدود فقد كان يستخدم لكل شيء كلمة خاصة به فمثلا
العدد( )2يعبر عن جناحي الطير والعدد ( )4يعبر عن قدمي الطير وقد كان لليد تأثير كبير في الحساب حتى قال أسبيناس
-----------------------Page 14 End-----------------------
11
أنها أداة الحساب ،إذن فالمفاهيم الرياضية بالنسبة لعقلية البدائي والطفل لا تفارق مجال الإدراك الحسي وكأنها صفة ملامسة
للشيء المدرك كالطول والصلابة .أما من التاريخ فتاريخ العلوم يدلنا على أن الرياضيات قبل أن تصبح علما عقليا قطعت
مرحلة كلها تجريبية ودليل ذلك أن العلوم الرياضية المادية هي التي تطورت قبل غيرها فالهندسة كفن قائم بذاته سبقت
الحساب والجبر لأنها أقرب للتجربة ويظهر أيضا أن المفاهيم الرياضية الأكثر تجريدا أخذت نشأتها بمناسبة مشاكل محسوسة
مثل تكعيب البراميل وألعاب الصدفة التي عملت على ظهور حساب الاحتمالات .
إنه لمن الواضح أن العلم لا يجد أية صعوبة في تطبيق هذه المعاني ولكن هذا لا يعني أن ننكر دور العقل في تحصيل
هذه المعاني ولهذا ظهر الاتجاه التوفيقي بين الطرفين .
إن الخطأ الذي وقع فيه المثاليون والتجريبيون هو أنهم فصلوا العقل عن التجربة والحق أنه لا وجود لعالم مثالي أو عقلي
ولأعداد وأشكال هندسية تتمتع بوجود لذاتها مثل الأفكار الأفلاطونية والقوالب الكانطية القبلية ونجد جون بياجي الذي يرى
أن للعقل دورا إيجابيا ذلك أن عملية التجريد واكتساب المعاني عمل عقلي ويرى في المقابل أن العقل لا يحمل أي معاني
فطرية قبلية بل كل ما فيه قدرة على معرفة الأشياء وتنظيمها ويرى كذلك جون سارتون أن العقل لم يدرك المفاهيم الرياضية
إلا من جهة ارتباطها بلواحقها المادية ولكنه انتزعها بالتجربة من لواحقها حتى أصبحت مفاهيم عقلية بحتة ،وأيضا نجد
بوانكاري يقول (لو لم يكن في الطبيعة أجسام صلبة لما وجد علم الهندسة فالطبيعة في نظره بدون عقل مسلط عليها لا معنى
لها يقول أحد العلماء الرياضيين (إن دراسة معمقة للطبيعة تعد أكثر المنابع إثمارا للاكتشافات الرياضية)
لا شك أن التجربة كانت في البداية منطلق التفكير الرياضي ومنه له ولكن منذ ذلك العهد أصبح من الصبياني طرح
مشكلة أسبقية العقل أو التجربة في نشوء هذا التفكير لأن هذا التفكير الرياضي تطور بصفة مستقلة نحو النطاق أو المملكة
العقلية الخالصة ،رغم الفارق الذي يظهر بين التجربة من جهة والمجرد العقلي من جهة أخرى فإن اللغة الرياضية تبقى نافعة
جدا في معرفة العالم المحسوس معرفة علمية .
الدرس :الرياضيات والمطلقية السؤال:
أي الخصائص يمكنها أن تميز بين التفكير المنطقي والتفكير الرياضي ؟
المقدمة:
الإستنتاج هو إحدى طرق التفكير الأكثر عموما وهو وسيلة برهان فننتقل من المقدمات المسلم بصدقها إلى النتيجة الصادقة التي
تلزم عنها وهو منطق مشترك بين المنطق والرياضيات مما يحمل على الإلتباس بين طريقة التفكير في المنطق وطريقة التفكير
في الرياضيات ولهذا نجد أنفسنا محمولين على التساؤل عما يمكن أن يفرق بينهما ،أو بمعنى آخر هل يختلف التفكير الرياضي
عن التفكير المنطقي ؟
المشكلة:
ب :1يقوم المنهج الإستدلالي على مبادئ عامة ،يجب تحديدها في البداية كي يستقيم هذا الإستدلال وتحدد طرقه ،ويتميز التفكير
الرياضي والتفكير المنطقي على السواء بتحديد مبادئهما بطريقة قبلية بحيث نكون هي أساس الإستنتاج ،ومن ثم فالتفكير الرياضي
يقوم على مجموعة من المبادئ تعتبر هي الأسس المشروعة لقيامه كتفكير خاص كما يقوم التفكير المنطقي على مبادئ خاصة
تعتبر هي أسس الإستدلال المنطقي المشروعة وبدون هذه المبادئ لا يستقيم الإستدلال ويتعذر الإستنتاج.
والمبادئ التي تقوم عليها الرياضيات هي:
أولا التعاريف :ونعني بها تحديد جميع الرموز المستخدمة في التفكير الرياضي كالأعداد والأشكال الهندسية والعلاقات الرياضية
والرموز المتعلقة بقيم الأعداد والمحددة لطبيعة ونوع العلاقة الرياضية كعلاقة القسمة والجذر التربيعي إلى الخ ...
وإلا جانب التعاريف هناك:
البديهيات أو (الأولويات) وهي المبادئ العقلية الأولية الصادقة بذاتها صدقا ضروريا ولا تطلب البرهان على صدقها مثل قولنا
الكل أكبر من أجزائه ،أو الخمسة هي نصف العشرة ،وأن الكمين لكم آخر متساويين.
وهناك أيضا:
المسلمات :أو (المصادرات) وهي تلك القضايا الشديدة العموم التي يضعها الرياضي في أحد فروض الرياضيات دون أن يبرهن
عليها والتي تعتبر كقواعد أو مقدمات صادقة ضرورية للإستدلال ،إذا التعاريف والبديهيات والمسلمات هي المبادئ العامة التي
يقتضيها الإستدلال الرياضي كشرط ضروري ،أما المنطق فيقوم أيضا على مبادئ عامة بدونها لا يصح الإستدلال المنطقي مثل
تعريف الحدود وأنواعها والقضايا وأنواعها والعلاقة المنطقية ومعرفة الموضوع ،والمحمول ،والمفهوم ،والقضية المركبة ،
والقضية البسيطة ،والقضية الحملية ،والقضية الشرطية ،ومعرفة القواعد العامة الخاصة بالإستدلال المباشر أو غير المباشر
(القياس).
-----------------------Page 15 End-----------------------
11
ب :2رأينا أن الإستدلال الرياضي و الإستدلال المنطقي كلاهما قائم عل الإستنتاج إنطلاقا من مبادئ معينة غير أنه إذا كان
الإستنتاج إنطلاقا من مبادئ معينة غير أنه إذا الإستنتاج مشتركا بينهما فهذا يلزم عنه أن طريقة بينهما واحدة.
يري بوانكريه أن الإستدلال الرياضي يختلف عن القياس لأن القياس لا نصل فيه إلى نتيجة جديدة بالنسبة للمقدمات بل هو تكرار
للمقدمات فالحد الأكبر والحد الأصغر اللذان نجدهما في المقدمات نجدهما في النتيجة أيضا وهكذا فالقياس نوع من تحصيل
الحاصل ،أما الإستدلال الرياضي وإن كان إبتكار النتيجة وهذا بخلاف نتيجة القياس ،ويرى بوانكريه أن نتيجة الإبتكار الرياضي
يشبه في طبيعته الإبتكار العلمي فهو قائم على نظام.
فسيستخدم الرياضي عقله في حل قضاياه ويتطلب في ذلك جهدا أكبر ونفسا أطول ،ولا يهتدي إلى الحل بنفس السهولة التي يبدو
عليها القياس.
ويرى جوبلو من جهته أ ما يتميز به الإستدلال الرياضي بصفة خاصة هو كونه يعتمد على التعميم وهذا التعميم نوعان فهو إنتقال
من البسيط إلى المركب أو إنتقال من الخاص إلى العام ومثال الأول الحالة البسيطة القائلة بأن مجموع زوايا المثلث تساوي قائمتين
إلى البرهنة على صدق حالة أشد تركيبا منها وهي القائلة بأن مجموع الزوايا القائمة في أي شكل كثير الأضلاع تساوي ضعف
أضلاعه ناقصا أربع قوائم.
ومثال الحالة الثانية من الخاص إلى العام :إذا أثبتنا أن زاويتي القاعدة في المثلث متساوي الساقين أ ب ج متساويتان فإنه يمكننا
تعميم هذه القضية على جميع المثلثات متساوية الساقين ،مع صرف النظر عن مقدار كل زاوية ،ويذهب ديكارت من جهته أيضا
إلى أن التفكير الرياضي يختلف عن الإستنتاج القياسي لأن القياس لا يتوفر على التحليل الكامل الذي يسع الإستنتاج الرياضي هذا
من جهة ومن جهة أخرى فإن القياس ينتقل من قضيتين عامتين إلا قضية ثالثة أقل عموما منهما بينما يعتمد التفكير الرياضي على
عملية التعميم كما رأينا.
ونستنتج مما سبق أن المنطق يختلف عن الرياضيات أولا في كون النظرية المنطقية لا تشمل بالقدر الكافي جميع العلاقات التي
يتطلبها التفكير الرياضي ،ثانيا أن التعريف في الرياضيات أكثر منها في المنطق ثالثا ،أن التفكير الرياضي قائم على عملية
التعميم وليس المنطق كذلك.
رابعا :تتوفر الرياضيات على كثرة من البديهيات والمسلمات لا يتوفر عليها المنطق القديم.
ب :3لقد رأينا أن الطريقة الإستنتاجية مشتركة بين الرياضيات والمنطق ممال جعل قضاياهما تتداخل ومما جعل أرسطو قديما
يرجع المنطق للرياضيات غير أن سعة التحليل الرياضي وخصوبة علاقته حددت الفرق بين الرياضيات والمنطق فضلا على أن
للرياضيات مجالا واسعا في التطبيق فلغتها صارت مستخدمة في مختلف العلوم التي تطمح إلى الدقة لكن تطبيق المنطق يجد
مجاله في صيغ لغة التعبير العادية وفي أساليب البرهان العقلي.
الخاتمة:
لقد لمسنا الجوانب المتفقة بين المنطق والرياضيات في الجزء الثاني ثم إنتهينا إلى بيان أهمية كل منهما مع هذا الإستثناء أن
الرياضيات تبدو أوسع مجالا في تطبيق المنطق .
وعندئذ تتوقف هذه المقارنة عند حدود معطيات النظرية المنطقية القديمة أو (القياس) لكن المنطق الرياضي الذي ينظر في قضايا
العلم ،والمنطق الجدلي يكون مجالهما الواقع وخاصة المنطق الجدلي الذي يأخذ صبغته الإجتماعية عند ماركس.
الدرس :الرياضيات والمطلقية السؤال :هل ترى أن المفاهيم الرياضية نابعة من التجربة أم العقل ؟
طرح المشكلة:
باعتبار أن الرياضيات علم من العلوم التجريدية التي تتعلق بالمقادير الكمية ،والتي تبحث في الرموز المجردة ومجالها التصور
العقلي البحت ،أثيرت تساؤلات عدة في شأن أصل الرياضيات ومصدرها ،فهناك من ردها إلى التجربة وهناك من أرجعها إلى
العقل ،في ظل هذا النزاع يمكننا طرح التساؤلات التالية:
هل أصل الرياضيات التجربة أم العقل؟ أو بعبارة أخرى :هل أصل الرياضيات عقلي خالص لا صلة لها بالواقع الحسي؟
محاولة حل المشكلة:
-1الأطروحة:
إن أصل الرياضيات عقلي خالص حسب ما يراه الفلاسفة العقليين المثاليون أمثال الفيلسوف اليوناني "أفلاطون" الذي يقول" :إن
المعرفة تذكر" ،وما نفهمه من هذا التعريف حسب أفلاطون هو أن كل المعارف بمختلف أشكالها تذكر ،حيث أن الإنسان عندما كان
في عالم المثل عرف هذه المعرف ومنها الرياضيات ،ولكن عندما جاء إلى عالم الواقع المادي نسي تلك المعرفة ولكن سرعان ما
يدركها بالذهن وحده دون أي واسطة من وسائط المعرفة ،وما أكده أفلاطون كذلك على أن التعريفات الرياضية مجالها ذهني ولن
-----------------------Page 16 End-----------------------
11
تتحقق إلا بواسطة العقل دون المعرف الأخرى ،وكما أوضح لنا أفلاطون على أن التعريفات الرياضية طبيعتها أنها أزلية وثابتة لن
تتغير لأن لها سبق مثالي على ملامسة هذه التعريفات للواقع الخارجي .وإلى جانب أفلاطون هناك الفيلسوف الفرنسي قطب الفلسفة
الحديثة ومفجر ثورة العقلانية إنه " روني ديكارت " الذي حاول أن يوضح لنا أن الرياضيات نابعة من أفكار فطرية شأنها شأن
فكرة الله ،ومعنى هذا أن الرياضيات تأسست بفعل العقل وذلك أنها بعيدة عن مجال الملموس الخارجي ،وفي هذا المقام يقول
ديكارت :إن العقل أعدل قسمة بين الناس وما نفهمه من هذا القول هو أن الناس جميعا يشتركون في هذه الملكة المعرفية والتي بها
يصلون إلى مبتغاهم ،وبالإضافة إلى هذا الفيلسوف نجد الفيلسوف الفرنسي أيضا "مالبرانش" الذي يرى بأن الأفكار الرياضية وكل
المعارف جاءت من عند الله ،وذلك بفعل العقل دون وسائل معرفية أخرى ،وكما يؤكد قطب الفلسفة النقدية " إيمانويل كانط " على
أن أساس الرياضيات يتجلى في القضايا العقلية التي تفرض نفسها على العقل ،وهي معرفة كلية ،ولقد أسماها "كانط" بالمعارف
الأولية التي لا تعني الأفكار الفطرية كما عند "ديكارت " بل أن هذه المعارف الأولية بمثابة شروط ضرورية قائمة في الذهن ،ولقد
ركز "كانط" على فكرتي الزمان والمكان على أنهما مفهومان مجردان عن العالم الخارجي .
-2نقيض الأطروحة :
على عكس ما طرحه الفلاسفة العقلانيين على أن أصل الرياضيات هو العقل ،هناك رأي مضاد يرى أن أصل الرياضيات هو
التجربة ومن هؤلاء الفلاسفة الحسيين التجريبيين نجد الانجليزي " جون لوك " الذي رد على ديكارت بأنه لا وجود للمعاني الفطرية
في النفس لأن الأطفال والبله والمتوحشين لا يعرفونها وهذا قوله :
" إن الطفل يولد صفحة بيضاء تكتب فيه التجربة ما تشاء ؛ ومعنى هذا ومعنى هذا القول أن المعرفة الرياضية أو أي معرفة أخرى
إنما تكتسب من الواقع الحسي ،وهناك أيضا الفيلسوف الفرنسي " كوندياك " الذي يرى بأن الإحساس هو المنبع الذي تنبجس منه
جميع قوى النفس ،وأيضا يؤكد "دافيد هيوم" على أن جميع معارفنا مستمدة من التجربة ،لأن العقل بدون تجربة لا يساوي شيء ،
فتكمن المعرفة الرياضية هي المعرفة الخارجية ،وكما يؤكد الفيلسوف الإنجليزي "جون ستيوارت ميل" الذي يرى أن الرياضيات
هي علم الملاحظة كما يرى جل الوضعين المعاصرين ،وكما يوضح أن النقط والخطوط والدوائر قبل أن تكون عقلية كانت تجريبية
أي أنها "مجرد نسخ" ،وكما أن تاريخ العلوم يشهد على أن الرياضيات قبل أن تكون عقلية كانت تجريبية ،وذلك من خلال الحضارات
الشرقية القديمة التي مارست الرياضيات ممارسة عملية قبل أن تكون نظرية ،وذلك في تنظيم الملاحة والفلاحة والري.
-3التجاوز:
إن هذا الرأي التجاوزي يرى أصحابه على أنه لا وجود للعقل دون الأشياء المحسوسة دون العقل .بل هناك تلازم وترابط وظيفي
بينهما والذي يتزعم هذا الإتجاه التجاوزي العالم النفساني السويسري "جان بياجي" الذي يرى أن الرياضيات عبارة عن نشاط إنشائي
وبنائي يقوم به العقل ويعطي التجربة صورتها ،وخلال ذلك يتهيل هذا النشاط في حد ذاته ،بمعنى أن العقل لا يحتوي على أطر
مسبقة بل فيه القدرة على الإنشاء وفي هذا المقام يقول جورج سارطون" :إن الرياضيات المشخصة هي أولى العلوم الرياضية نشوءا
فقد كانت في الماضي تجريبية ...ثم تجردت من هذه التأثيرات فأصبحت علما عقليا" .ومعنى هذا القول عند سارطون هو أن معاني
الرياضيات قبل أن تكون عقلية محضة كانت حسية واقعية وذلك وفق منطق التدرج و التمرحل من مرحلة الملموس إلى مرحلة التعقل
المجرد.
وفي هذا الطرح التجاوزي هناك أيضا قول الفيلسوف الفرنسي "بوانكريه" الذي يقول" :لو لم يكن في الطبيعة أجسام صلبة لما وجد
علم الهندسة ،ولكن الطبيعة بدون عقل مسلط عليها لا معنى لها" .ومعنى هذا القول هو أن علم الهندسة ولد من خلال الأجسام
الموجودة في الطبيعة ،و وجود طبيعة بكل أشكالها المتعددة بدون وجود عقل دارس ومعمق لها لن تساوي شيء في هذا الكون.
حل المشكلة:
حقيقة إن التجربة كانت المنطلق إلى التفكير الرياضي ،ولكن من هذا المنطلق تجردت الرياضيات تجريدا بعيدا عن الواقع الحسي ،
ولهذا فاللغة الرياضية تبقى هي الأساس في معرفة العالم المحسوس.
الدرس :الرياضيات والمطلقية السؤال :قارن بين المعرفة الرياضية والمعرفة التجريبية.
طرح المشكلة:
إن التطور الذي عرفته العلوم التجريبية في العصر الحديث بفضل تطبيقها المنهج التجريبي مكنها من الوقوف على النتائج
المتصفة بالرمزية والدقة على غرار ما في الرياضيات .والإشكال الذي يتحدد حول ذلك هو :فما العلاقة بين الدقة في الرياضيات
والدقة في العلوم؟ أو بعبارة أخرى :ما هي أوجه المقارنة بين الرياضيات والعلوم التجريبية؟
محاولة حل المشكلة :
-1أوجه الاتفاق :
-----------------------Page 17 End-----------------------
13
كل من والرياضيات العلوم التجريبية تشترك في :
التعبير الرمزي عن القضايا.
الدقة من حيث النتيجة (استخدام الكم).
الابتعاد عن التفسيرات الميتافيزيقية والذاتية.
-2أوجه الإختلاف:
ومن خلال الخصوصيات لكل واحدة من المعرفتين السابقتين الذكر ،فإننا نجد فارقا بينهما تتمثل عناصره في :
موضوع الرياضيات مجرد ؛ فيما أن العلوم التجريبية موضوعها حسي .
المنهج استنتاجي في الرياضيات .وتجريبي في العلوم التجريبية.
نتائج الرياضيات دقيقة يقينية وهذا بخلاف العلوم التجريبية التي تتصف نتائجها بالدقة النسبية.
-3بيان التداخل:
العلوم التجريبية استمدت نجاحها من :
.1استعمال اللغة الرياضية الكمية وإبعاد الكيف.
.2اعتماد الفيزياء المعاصرة على منهج الرياضيات الذي هو منهج أكسيومي.
.3الفيزياء المعاصرة رجحت مفهوم ريمان للمكان على باقي التصورات الأخرى.
حل الإشكالية :
الخاصية الوظيفية للمعرف تفرض ترابطا بين الرياضيات والعلوم التجريبية ،فالتطور الحاصل في مجالات العلوم والسعي
إلى الدقة في نتائجها جاء بعد توظيف الرياضيات.
الدرس :العلوم التجريبية والعلوم البيولوجية السؤال:
بماذا تتميز الملاحظة العلمية عن الملاحظة العادية؟
المقدمة :الإشكال:
يبدو أن العلم أو على الأصح العالم يستخدم حواسه في البحث مثله مثل الرجل العادي خاصة حاسة البصر ووظيفة الحواس هي
الملاحظة ،لكن ما هي الفروق التي تميز بين ملاحظة الرجل العادي وملاحظة العالم؟
الاتفاق:
كلاهما الملاحظة العلمية والملاحظة العادية قائمة على استخدام الحواس وكلاهما منصبة على موضوع ما خارجي.
فالرجل العادي والعالم كلاهما تستوقفهما بعض القضايا التي تلفت الانتباه يوميا مثلا حوادث السيارات ،مشاكل السوق كلا
الملاحظتين تصدران عن شخص معين.
الإختلاف:
الإختلاف بين ملاحظة العالم وملاحظة الرجل العادي كبير فالملاحظة العلمية هي أولا ملاحظة منهجية ونعني بالملاحظة المنهجية
هي ملاحظة مقصودة لها هدف محدد ووسائل.
هي ملاحظة إشكالية أي قائمة حول إشكال ما ،وكونها ملاحظة إشكالية هذا ما يعطيها الطابع الإرادي القصدي الواعي ويتمثل
في الانتباه الطويل مثل ملاحظة علماء الفلك يقضون الليل على طوله مشدودين وراء المنظار ،والإشكالية هنا في عالم الكواكب
والمجرات والنجوم.
هي ملاحظة مسلحة تستخدم فيها مختلف الأدوات التقنية و التكنولوجية والإلكترونية الممكنة حسب نوع الظاهرة ،يستخدم المنظار
الفلكي في الملاحظة الفلكية ،والمجهر الإلكتروني في مجال الذرة والخلية إلخ ....
هي ملاحظة يساهم فيها العقل والحواس معا ويتدخل العقل عن طريق الذكاء وعن طريق المعرفة المكتبية حول الظاهرة من أجل
تفسيرها مؤقتا.
الترابط:
لا تداخل بين الملاحظتين العلمية والعادية فالملاحظة العلمية هي ملاحظة مخبرية قائمة على أساس المنهج لها غاية وهدف بينما
الملاحظة العادية ملاحظة عابرة خاضعة للصدفة ولا يمكن للرجل العادي أن يرى في الظاهرة ما يراه العالم من خلال معرفته
بتاريخها وبقوانينها.
تختلف الملاحظة العلمية عن الملاحظة العادية كما وكيفا.
-----------------------Page 18 End-----------------------
11
الدرس :العلوم التجريبية والعلوم البيولوجية السؤال :دور الفرضية في المنهج التجريبي ؟
الأسئلة- :هل يمكن الاستغناء عن الفرضية؟-هل للفكرة المسبقة دور في الملاحظة والتجربة؟-هل أساس العلم العقل أم التجربة؟-
هل للاستنتاج دور في بناء العلم؟
المقدمة :تنطلق الدراسات العلمية على اختلاف مضمونها ومنهجها من مرحلة البحث حيث تح ّرك العلماء أسئلة -I
وإشكالات محيّرة تقودهم إلى مرحلة الكشف من خلال بناء ملاحظات واستنتاجات مختلفة غير أن مكانة الفرضية في -II
المنهج التجريبي عرفت جدالا كبيرا بين الفلاسفة والعلماء فالمشكلة المطروحة:هل يمكن الاستغناء عن الفرضية؟1 -III
/الرأي الأول(الأطروحة) :ترى هذه الأطروحة الموقف العقلي أن الفرضية نقطة انطلاق ضرورية لكل بحث -IV
تجريبي وهي من حيث المفهوم مجهود عقلي يستهدف الخروج من الإشكالية التي تطرحها الملاحظة وحجتهم أن -V
الاكتشافات العلمية أساسها العقل في ليست مجرد تجميع للملاحظات والتجارب ،عبّر عن هذه الأطروحة" كلود -VI
برنارد" قائلا {ينبغي أن نطلق العنان للخيال فالفرضية هي مبدأ كل برهنة وكل اختراع إنها تنشأ عن نوع من -VII
الشعور السابق للعقل} ،ومن الأمثلة التي تبين دور الفرضية في بناء العلم أن "باستور" ربط ظاهرة التعفن بالجراثيم
رغم عدم رؤيته لها و"فرانسوا أوبير" كان عالما كبيرا لم تمنعه إعاقته البصرية من تخيل التجارب الصحيحة لأنه
عوض فقدان البصر بقوة الحدس العقلي وبقدره على وضع فرضيات صحيحة ،كل ذلك دفع" بوانكريه" إلى القول
{إن التجريب دون فكرة سابقة غير ممكن لأنه سيجعل كل تجربة عميقة} والفرضية لها أهمية بعيدة المدى من حيث
قدرتنا على إثارة الملاحظات والتجارب وكذا رسم الأهداف وتجاوز العوائق قال "ميدوار" في كتابه [نصيحة إلى كل
عالم شاب{ ]على الباحث أن يستمع دوما إلى صوت يأتيه من بعيد-صوت الفرضية -يذكره بسهولة كيف يمكن أن
يكون}.
نقد:إن هذه الأطروحة تتجاهل أن الفرضية من خلال اعتمادها على الخيال قد تبعدنا عن الواقع وتدخلنا في متاهات
يصعب الخروج منها2.
/الرأي الثاني(نقيض الأطروحة) :ترى هذه الأطروحة الموقف التجريبي أن المنهج التجريبي هو المنهج الاستقرائي
القائم على الملاحظة والتجريب ولا مكان فيه للفرضية ،وحجتهم أن الفرضية تقوم على عنصر الخيال والخيال يبعدنا
عن الواقع ،تجلت هذه الأطروحة في نصيحة" ماجندي" إلى أحد تلاميذه {أترك عباءتك وخيالك عند باب المخبر}
وتعمقت أكثر فكرة استبعاد الفرضية على يد الإنجليزي "جون ستيوارت مل" الذي وضع قواعد الاستقراء[ قاعدة
الاستقراء -قاعدة الاختلاف -قاعدة البواقي -قاعدة التلازم في التغير] ومن الأمثلة التي توضح قاعدة الاتفاق البحث
الذي قام به العالم "ويلز" حول أسباب تك ّون الندى حيث لاحظ أن الندى يتكون على المرآة عند تقريبها من الفم،
وعلى زجاج النوافذ في الشتاء .....وأرجع ذلك إلى انخفاض حرارة الأجسام مقارنة مع درجة حرارة الوسط
الخارجي ،قال "ستيوارت مل" {إن الطبيعة كتاب مفتوح لإدراك القوانين التي تتحكم فيها ما عليك إلا أن تطلق العنان
لحواسك} ورأى "أوجست كونت" أن الطريقة العلمية تختلف عن الطريقة الفلسفية فهي ليست بحاجة إلى التأويل
العقلي بل إلى الوصف من خلال إجراء التجارب وهذا ما أكد عليه "أرنست ماخ" قائلا {المعرفة العلمية تقوم على
إنجاز تجربة مباشرة}.
نقد:هذه الأطروحة تتجاهل أن طرق الاستقراء لا يمكن أن تع ّوض الفرضية نظرا لطابعها الحسي ،بينما القانون
العلمي إبداع.
/التركيب :العلم ضرب من المعرفة الممنهجة فهو يدرس الظواهر المختلفة من أجل الكشف عن قوانينها وتاريخ العلم
يؤكد أن أهم النظريات العلمية وضعها أصحابها بالاعتماد على الفرضية [نيوتن مثلا يضع بحثه نصب عينيه وكان
كثير التأمل] من هذا المنطلق الفرضية لازمة ومشروعة قال "كانط{ "ينبغي أن يتقدم العقل إلى الطبيعة ماسكا بيد
المبادئ وباليد الأخرى التجريب الذي تخيله وفق تلك المبادئ} فالطرق الاستقرائية التي وضعها "ستيوارت مل" غير
كافية نظرا لطابعها الح ّسي فهي بحاجة إلى قوة الحدس العقلي قال "غاستون باشلار" {إن التجربة والعقل مرتبطان
في التفكير العلمي فالتجربة في حاجة إلى أن تفهم والعقلانية في حاجة إلى أن تطبق} فالفرضية ضرورية لا يمكن
استبعادها من المنهج التجريبي.
الخاتمة :ومجمل القول أن المعرفة العلمية يتكامل فيها الموضوع والمنهج وعلى حد تعبير "جون المو" {العلم بناء}
غير أن خطوات المنهج العلمي لم تكن مسألة واضحة المعالم بل غلب عليها الطابع الجدلي فالموقف العقلي مثلا
تم ّسك بالفرضية فالعلم عندهم إبداع والإبداع في حاجة إلى الخيال ،على النقيض من ذلك الموقف التجريبي رفض
الفرضية واقترح قواعد الاستقراء غير أن منطق التحليل كشف لنا عن عدم كفاية هذه القواعد وتأسيسا على ذلك
نستنتج:لا يمكن الاستغناء عن الفرضية.
-----------------------Page 19 End-----------------------
21 مقالة حول حدود التجريب في البيولوجيا
الدرس :العلوم التجريبية والعلوم البيولوجية
الأسئلة - :ما هي العوائق الابستمولوجية التي تحدّ من تطبيق المنهج التجريبي في البيولوجيا؟ -هل تطبيق المنهج التجريبي في
علوم المادة الحية مثل تطبيقه في علوم المادة الجامدة؟ -هل التجريب ممكن في البيولوجيا؟ -هل يمكن دراسة ظواهر المادة الحية
وفق خطوات المنهج التجريبي؟ -هل المنهجية التجريبية في البيولوجيا محكوم عليه بالنجاح أم الفشل؟
-المقدمة :تنطلق الدراسات العلمية على اختلاف مضمونها ومنهجها من مرحلة البحث حيث تح ّرك العلماء أسئلة وإشكالات محيّرة
تقودهم إلى مرحلة الكشف من خلال بناء ملاحظات واستنتاجات مختلفة فإذا علمنا أن المنهج التجريبي أساسه التجريب وأن
البيولوجيا تدرس المادة الحية فالمشكلة المطروحة:هل المنهجية التجريبية في البيولوجيا محكوم عليها بالنجاح أم بالفشل؟
/1الرأي الأول(الأطروحة) :ترى هذه الأطروحة أن خصائص المادة الحية تختلف عن خصائص المادة الجامدة ،فالمادة الحية
أساسها التكاثر والتغير وعلى حد تعبير الطبيب الفرنسي"بيشا"{الحياة هي جملة الخصائص التي تقاوم الموت}وربطوا فشل المنهج
في البيولوجية بوجود عوائق موضوعية ترتبط بطبيعة الكائن الح ّي وذاتية (ثقافة المجتمع بكل ظواهرها) ومن هذه العوائق صعوبة
الفصل والعزل لأن فصل عضو من الكائن الح ّي يؤدي إلى إتلافه(موته) أو يغير في وظائفه ،هذا ما عبّر عنه "كوفيي"{سائر
أجزاء الكائن الح ّي مترابطة فهي لا تستطيع الحركة إلا بمقدار ما تتحرك كلها وفصل جزء من الكتلة معناه نقله إلى نظام الذرات
الميتة تبديل ماهيته تبديلا تاما} ومن الأمثلة التي توضح هذه الصعوبة أن أفضل عضو من المعدة أو الكلية يؤدي إلى تغير وظائف
الكائن الح ّي كما ذهب إلى ذلك "كنغلهايم" ،وتظهر صعوبة التعميم بعدم وجود تطابق بين الكائنات الحية لقد جمع "أغاسيس"
20777صدفة من البحر ولم يجدد أي تطابق بينها ،هذه الحقيقة عبّر عنها "لايبندز" {لا يوجد شيئان متشابهان}والأمثلة التي تؤكد
ظاهر التميز البيولوجي أن الخلايا التي تنقل لفرد آخر لا يتقبلها ذلك الفرد ,أو من العوائق الابستمولوجية التي تحد من تطبيق
المنهج التجريبي غياب الحتمية والسببية لأن السلوك الإنساني يجري في مجرى الحرية.
نقد :هذه الأطروحة تتجاهل أن العلم الحديث قد وجد حلولا لأكثر هذه العوائق.
/2الرأي الثاني(نقيض الأطروحة) :ترى هذه الأطروحة أن خصائص المادة الحية مماثلة لخصائص المادة الجامدة لوجود نفس
العناصر الطبيعية(هيدروجين ،أوكسجين ،آزوت ،كربون ).....وأن أفضل طريقة لدراسة المادة الحية هي الطريقة التجريبية أي
تفسير الظواهر الحيوية تفسيرا وضعيا من خلال ربطها بشروط فيزيائية وكيميائية عبّر عن هذه الأطروحة أصدق تعبير "كلود
برنار "قائلا{المظاهر التي تتجلى لدى الكائنات الحية مثل المظاهر التي تتجلى فيه الأجسام الجامدة تخضع لحتمية ضرورية تربطها
بشروط كيميائية خالصة} وأمام التقدم المذهل في التكنولوجيا لم تعد مطروحة صعوبة الفصل والعزل وعلى حدّ تعبير "توماس
كسكي" {أمكن فحص الجسم البشري من الخلايا المفردة إلى الحمض النووي} واستنسخ بعض العلماء النعجة[ دولي] بل وأمكن
القيام بعمليات جراحية دون الحاجة إلى فصل الأعضاء (جراحة القلب المفتوح مثلا) ،والتعميم ممكن لوجود تشابه في الوظائف
حيث أثبتت بحوث علماء الوراثة ,كما أن التماثل الوراثي بين الإنسان والقرد من فصيلة الشمبانزي يصل إلى حدود 99أن النشاط
الآلي عند الكائنات ومثال ذلك عملية الهضم التي تبدأ بالأسنان وتنتهي في صورة أحماض أمينيه وتؤكد فكرة السببية ،وملخص
الأطروحة في عبارة"كلود برنار" {بفضل التجريب يمكننا فهم ظواهر الأجسام الحية والسيطرة عليها}.
نقد :هذه الأطروحة تتجاهل أنه لابد أن يرتبط التجريب بضوابط أخلاقية وكذا مراعاة خصوصية الكائن الح ّي3.
/3التركيب :لا شك أن إشكالية حدود التجريب في البيولوجيا ترجع إلى عوائق ابستمولوجية نابعة من صميم موضوعها [العوائق
الموضوعية] هذه العوائق تم تجاوزها تدريجيا أولا من خلال مراعاة خصوصيات الكائن الح ّي [التغيّر والتكاثر] قال "كلود برنار"
{يجب على البيولوجيا أن تستعير من العلوم الفيزيائية والكيميائية المنهج التجريبي ولكن مع الاحتفاظ بخصوصياتها} وثانيا من
خلال فكرة طرح فكرة التجريب في البيولوجيا في ضوء علاقة العلم بالأخلاق والدين ،وكما قال "بوانكريه"{لا يمكن أن يكون العلم
لا أخلاقيا لأن الذي يحب الحقيقة العلمية لا يمكنه أن يمتنع عن محبة الحقيقة الخلقية}.
-الخاتمة :وفي الأخير يمكن القول أن البيولوجيا هي علم دراسة الكائنات الحية وهي بحث علمي يغلب عليه التنوع إذ يمكن دراسة
الظواهر الحيوية من زاوية وظائف الأعضاء وهذا ما يعرف بالفيزيولوجيا أو دراسة حدود التجريب وبناء على ما تأسس
نستنتج:التجريب في البيولوجيا ممكن بشرط احترام خصوصيات الكائن الح ّي وكذا المبادئ الأخلاقية.
السؤال :قيل :بقدر ما تنجح العلوم الإنسانية في إنجاز عمل علمي حقيقي الدرس :العلوم الإنسانية والعلوم المعيارية
-----------------------Page 20 End-----------------------
21
يتقلص لديها التمييز بين ما هو إنساني وما هو طبيعي
أبد رأيك في هذا الحكم مبينا دواعي التقلص وحدوده.
المقدمة :
المشكلة :إن نجاح علوم الطبيعة على المستوى النظري والعملي قد أوحى بفكرة تكوين علوم إنسانية على منوالها .
ما هي شروط علمية العلوم الإنسانية ؟ وهل يمكن اختزالها في مدى تقليصها للفوارق بين دراسة الإنسان ودراسة الطبيعة ؟
التحليل :
محاولة الحل :شروط تحقق علمية حقيقية في مجال علوم الإنسان ( علوم الطبيعة نموذجا لعلوم الإنسان ) .
– 1على مستوى الموضوع
ضرورة تجاوز الرؤى التي تقر بتعالي الذات على الطبيعة وباستحالة دراستها علميا :التأكيد على ضرورة تجاوز مركزية
الوعي وفكرة الإرادة والحرية وهو ما يؤدي إلى مماثلة الظاهرة الإنسانية بالظاهرة الطبيعية.
استقلالية الموضوع عن الذات تحقيقا لشرط الموضوعية.
قابلية الموضوع للتحديد وإعادة بنائه مخبريا مثل دراسة السلوك في علم النفس واعتبار الظاهر الإجتماعية ـ أشياء ـ في المجال
الاجتماعي وإعادة بناء الحدث التاريخي في علم التاريخ .
– 2على مستوى المنهج
إبراز قابلية الظاهرة الإنسانية للملاحظة الخارجية والتجريب .
إخضاع الظواهر الإنسانية إلى مبدأ الحتمية .
إمكانية التكميم والصياغة الرياضية للقوانين .
النقاش - :إبراز المفارقة التي تواجه الدراسة العلمية للإنسان فما اعتبر شرطا لنجاح علوم الإنسان يفضي إلى موت الإنسان بصفته
ذاتا واعية .
-إبراز خطأ الاعتقاد في اعتبار علمية علوم الطبيعة نموذجا لعلوم الإنسان.
إبراز أن مطلب المماثلة بين الإنسان والطبيعة قد يستجيب إلى غايات معرفية بقدر ما يخفي توجها غايته السيطرة على الإنسان .
الخاتمة :
الحل:إن العلوم الإنسانية علوم قائمة بظواهرها الخاصة بطبيعتها تطبق المنهج العلمي في دراسة ظواهرها وفقا للخصوصية التي
تميزها .
الدرس :العلوم الإنسانية والعلوم المعيارية النص :
من حق علوم الفكر أن تحدد بنفسها منهجها بحسب موضوعها .فعلى العلوم أن تنطلق من أعم مفاهيم المنهجية ،وتسعى إلى
تطبيقها على مواضيعها الخاصة فتصل بذلك إلى أن تنشئ في ميدانها المخصوص مناهج ومبادئ أكثر دقة على غرار ما حصل
بالنسبة إلى علوم الطبيعة .وإننا لا نبين أننا التلاميذ الحقيقيون لكبار العلماء إن نحن اكتفينا بأخذ المناهج التي توصلوا إليها ،
ونقلناها نقلا إلى ميداننا ،وإنما نكون تلاميذهم بحق حين نكيف بحثنا مع طبيعة مواضيعه فنتصرف إزاء علمنا تصرفهم إزاء
علمهم .إن التحكم في الطبيعة يكون بالامتثال لها .وأول ما يميز علوم الفكر عن علوم الطبيعة أن علوم الطبيعة موضوعها وقائع
تبدو للوعي كما لو كانت ظواهر بعضها بمعزل عن بعض من الخارج ،والحال أنها تبدو لنا من الداخل واقعا ومجموعة حية
أصلا .والحاصل من هذا أنه لا يوجد في العلوم الفيزيائيّة والطبيعية مجموع منسجم للطبيعة إلا بفضل استدلالات تكمل معطيات
التجربة بواسطة منظومة من الفرضيات ؛ أما في علوم الفكر فان مجموع الحياة النفسية يمثل قي كل مكان معطى أوليا وأساسيا.
فالطبيعة نفسرها ،والحياة النفسية نفهمها.
ذلك أن عمليات الاكتساب و مختلف الطرائق التي تترابط بواسطتها الوظائف – وهي العناصر الخاصة بالحياة الذهنيّة -فتشكل كلا
،تمدنا بها أيضا التجربة الداخلية .وهنا نجد أن المجموع المعيش هو الشيء الأولي ،أما التمييز بين الأجزاء التي يتكون منها فلا
يأتي إلا في المرتبة الثانية .يترتب على ذلك أن المناهج التي نعتمدها لدراسة الحياة الفكرية و التاريخ و المجتمع مختلفة أشد
الاختلاف عن المناهج التي أدت إلى معرفة الطبيعة.
-----------------------Page 21 End-----------------------
22
دلتاي
"أفكار في علم نفس وصفي وتحليلي"
الإجابة:
المقدمة:
تف ّطن كلود ليفي ستراوس إلى أ ّن ما يش ّرع لقيام علم يهت ّم بدراسة ال ّظاهرة الإنسانية هو وجود عناصر ثابتة وكلّية تتخ ّطى
التّحديدات ال ّزمانيّة و المكانيّة ،أو بالأحرى بنية تم ّكن من استخدام المنهج التّجريبي بشكل ناجع ومفيد.
لكن ،ألا يكون هذا النّجاح المنهجي قائما على تجاهل لطبيعة و لخصوصيّة ال ّظاهرة الإنسانية و رهين استبعاد الإنساني و القيمي و
الدّلالي ؟ فهل من إمكان لمنهج يضمن ،في آن ،الإبقاء على خصوصيّة الموضوع ،و تحقيق العلوميّة و الموضوعيّة للعلوم
الإنسانية ؟
الأطروحة :إن التّأسيس الفعلي لعلوم الفكر ( العلوم الإنسانية ) يم ّر ضرورة عبر تو ّخي منهج الفهم و التّأويل .
الأطروحة المستبعدة :لا تنجح العلوم الإنسانية في تحقيق علوميّتها إلا إذا سحبت مناهج العلوم ال ّطبيعيّة على العلوم الإنسانيّة.
الإشكالية :كيف يمكن تحقيق علوميّة علوم الفكر رغم اختلاف موضوعها الجذري عن موضوع العلوم ال ّطبيعيّة ؟
أو :هل من سبيل إلى تأسيس العلوم الإنسانية تأسيسا علميّا يراعي خصوصيّة موضوعها ؟
تفكيك عناصر التّحليل:
الفرق بين ظواهر ال ّطبيعة و ظواهر الفكر ( مستوى الموضوع(
2.إشكال الخيار المنهجي ) التّفسير أم التّأويل ) و إستتباعاته على مسألة علوميّة العلوم الإنسانية.
التّحليل:
1.الفرق بين ظواهر ال ّطبيعة و ظواهر الفكر ( مستوى الموضوع(
ظواهر الفكر ظواهر ال ّطبيعة · تدرك في إطار تجربة داخليّة.
التحام الذّات بالموضوع
·معطاة في التّجربة الدّاخليّة في شكل " مجموع معيش " يمتاز بكلّيته و وحدته.
·مه ّمة الباحث محاولة فهم التّجربة الإنسانية دون إقصاء القصدي و الغائي و الدّلالي.
·تدرك في إطار تجربة خارجيّة.
فصل بين الذّات و الموضوع
·معطاة في التّجربة في شكل ظواهر مستقلّة و مشتّتة لا رابط بينها.
·مه ّمة الباحث تتمثّل في تنظيم و توحيد هذه الوقائع ال ّطبيعيّة بفضل فرضيّات تحاول الانتباه إلى العلاقات السببيّة الموضوعيّة بين
ال ّظواهر.
و ذلك هو منهج التّفسير.
2.إشكال الخيار المنهجي ( التّفسير أم التّأويل ) و إستتباعاته على مسألة علوميّة العلوم الإنسانية:
·إذا كانت ظواهر الفكر غير ظواهر ال ّطبيعة ،لا يمكن تأسيس علم بها بالاستناد إلى المنهج المعتمد في العلوم ال ّطبيعيّة كما ذهب
إلى ذلك أوغست كونت.
·على العلم الإنساني أن يراعي خصوصيّة ال ّظاهرة التّي يدرسها و يستبدل التّفسير ،من حيث هو يفترض انفصال الذّات عن
الموضوع ،بالفهم أو التّأويل:
" ×فال ّطبيعة نف ّسرها " :أي نحدّد شروط ظواهرها و العلاقة الثّابتة بين هذه ال ّشروط ،أي نصوغها في قانون .وذلك ما تفعله
الفيزياء و الكيمياء و الفلك الخ…
×أ ّما ال ّظاهرة الإنسانية فنفهمها .و هذا الفهم هو المنهج الوحيد الذّي يلائم دراسة ال ّظواهر الإنسانية .و نعني بالفهم الإدراك
الحدسي للدّلالة القصديّة لنشاط إنساني ما .فالفهم جهد نحو النّفاذ ،وراء ال ّظواهر المدروسة ،إلى الدّلالات و المقاصد الإنسانية التّي
صبغتها الذّوات على تجاربها المعيشة.
العالم الإنساني مدع ّو ،إذن ،إلى استحضار معيش الآخرين في كلّيته دون عزل المعنى و الدّلالة و القيمة.
يقتضي الفهم نظرة إلى الواقعة الإنسانية في كلّيتها و شموليّتها تبتعد عن التّشتيت و التّجزئة ( Comprendre = Prendre
ensemble la totalité du vécu humain ).
مثال :فهم إصلاح قانوني أو قضائي معيّن يستوجب النّظر في المجموع التّاريخي ،الاجتماعي و الثّقافي الذي أفرز هذا الإصلاح (
دون عزل و إقصاء و تشتيت و تجزئة و ذلك على عكس علوم ال ّطبيعة (
إن الوقائع الإنسانية ،إذن ،لا تدرك من الخارج ،كال ّظواهر ال ّطبيعيّة ،بل تعاش ضمن تجربتنا الذّاتيّة .و لذلك يس ّمي (دلتاي) العلوم
الإنسانية بالعلوم الذاتيّة في مقابل العلوم الموضوعيّة.
vالإشكال:
إذا ما سلّمنا بأ ّن العلوم الإنسانية هي علوم تعتمد على الفهم و على التّأويل ،فكيف يمكن أن تكون لنتائجها و لنظريّاتها صلاحيّة
موضوعيّة ؟ ث ّم ألا نسقط في ال ّريبيّة و في النّسبيّة حين نرفض مع دلتاي أن تكون هذه العلوم مج ّرد تجميع لوقائع منفصلة و
مترابطة سببيّا ؟
و هل يقودنا ذلك إلى حدّ الحكم ،مع نيتشه ،بأنّه " لا توجد وقائع و إنما فقط تأويلات " ؟ بحيث نقابل المثل الأعلى الموضوعي،
-----------------------Page 22 End-----------------------
23
الذي يسعى العلم إلى تحقيقه ،به ّوة ذاتيّة نقع فيها في إطار هذه العلوم ؟
-vتجاوز الإشكال:
لا يجب أن نعتقد أ ّن دلتاي يقصي التّفسير نهائيّا و يعتبر أ ّن العلوم الإنسانية تكتفي بالفهم .فهو مثلا لا يختزل علم التّاريخ في مج ّرد
فهم الأحداث أو الوقائع .فالموضوعات التّي يتناولها عالم التّاريخ محدّدة بشكل موضوعي في ال ّزمان و المكان ،و هي من حيث هي
كذلك تش ّكل جزءا من ال ّطبيعة الخارجيّة يخضع لقوانين ال ّسببيّة.
لكن إن كانت ال ّظواهر التّاريخيّة تخضع لحتميّة مشابهة لحتميّة ال ّطبيعة ،فهي تتميّز عن هذه الأخيرة من حيث هي ظواهر ذات
دلالة ،و هي بما هي كذلك لا تتحدّد فقط بسببيّة موضوعيّة و طبيعيّة ،بل كذلك و في نفس الوقت بسببيّة قصديه .فلا يمكن ،في هذا
ال ّسياق أن نقصي نوايا و مقاصد ال ّشخصيّات التّي ساهمت في هذه الأحداث.
يجب إذن ،في إطار العلوم الإنسانية ،أن لا نكتفي برصد علاقات سببيّة موضوعيّة تستبعد كلّيا ك ّل ما هو كيفي وقيمي و دلالي (
شأن التّفسير في العلوم ال ّطبيعيّة ) ،بل من ال ّضروري محاصرة البعد الدّلالي و الغائي ،والاعتراف بأ ّن هذه الوقائع وليدة خيارات
قيميّة ،غائيّة ،أخلاقيّة ،سياسيّة ،دينيّة ،اجتماعيّة ،ثقافيّة الخ …
ينتج عن ذلك أنّه يتو ّجب على العلوم الإنسانية أن تعرف كيف تراوح بين التّفسير ( لفهم ال ّشروط الموضوعيّة للوقائع :رصد سببيّة
خارجيّة ) و الفهم ( للامساك بالمقاصد و الغايات و تحديد البعد الدّلالي لهذه الوقائع :رصد سببيّة باطنيّة و قصديه – المعنى ( .
-----------------------Page 23 End-----------------------
26
فهرس الموضوعات
الدرس الصفحة الموضوع الترتيب
الإحساس والإدراك 1 هل يمكن الفصل بين الإحساس والإدراك ؟ 1
اللغة و التواصل 1 هل يمكن التفكير بدون لغة ؟ 2
الشعور واللاشعور 2 هل يشكل الشعور مجمل الحياة النفسية عند الإنسان ؟ 3
الذاكرة 3 ما الذاكرة ؟ 4
الذاكرة والذكاء 4 هل ترى أن هناك علاقة بين الذاكرة والذكاء ؟ 5
التخيل 5 6
العادة 6 يقول :أن تقدم البشرية يتم بفضل هؤلاء الذين يتجاوزون 0
حاضرهم بمخيلتهم ..
قيل :إن العادة هي ما يقابل الغريزة ،ما رأيك ؟
8إلى أي مدى تكون العادة مصدرا لفعالية السلوك ؟ 6العادة
الأخلاق هل يمكن أن تتحول الأخلاق إلى دراسات للعادات الأخلاقية ؟ 6 9
الأخلاق 17يقول :لا يوجد غيري فأنا وحدي الذي أقرر الخير واخترع الشر 8
الأخلاق 8 لماذا يثير وجود الشر مشكلة ميتافيزيقية ؟ 11
الأخلاق 17 12هل يمكن إقامة الأخلاق على أساس العقل وحده ؟
الأخلاق و الاقتصاد 11 هل الدولة بحاجة إلى الأخلاق ؟ 13
الحقيقة الفلسفية و الحقيقة 13 إلى أي حد يكمن اعتبار مطلقة في الفلسفة ؟ 14
العلمية
الرياضيات و المطلقية 14 هل ترى أن المفاهيم الرياضية في تطورها نابعة من التجربة أم 15
من العقل ؟
الرياضيات و المطلقية 15 أي الخصائص يمكنها أن تميز بين التفكير المنطقي و التفكير 16
الرياضي ؟
الرياضيات و المطلقية 16 هل ترى أن المفاهيم الرياضية نابعة من التجربة أم العقل ؟ 10
الرياضيات و المطلقية 18قارن بين المعرف الرياضية و المعرفة التجريبية ؟ 18
19دور الفرضية في المنهج التجريبي ؟ 19
العلوم التجريبية و العلوم
البيولوجية 27نقالة حول حدود التجريب في البيولوجيا 27
العلوم التجريبية و العلوم 21 قيل :بقدر ما تنجح العلوم الإنسانية في إنجاز عمل عملي حقيقي 21
البيولوجية يتقلص لديها التمييز ما هو أنساني و ما هو طبيعي ...
العلوم الإنسانية و العلوم 22تحليل نص لـ :دلتاي 21
المعيارية
العلوم الإنسانية و العلوم
المعيارية
-----------------------Page 24 End-----------------------
مقالات فلسفية شعبة اداب وفلسفة 2018 الجزء الثاني
بواسطة kamel
في
12.9.17
تقييم:

ليست هناك تعليقات: