مقالات فلسفية شعبة اداب وفلسفة 2018 الجزء الثاني

مقالات فلسفية شعبة اداب وفلسفة  2018 


----------------------Page 12 End-----------------------
-                                                       ‫‪13‬‬

                                            ‫التقيد بالصالح العام وهذا ما يفرض علينا احترام القانون أخلاقيا كان أم اجتماعيا‬
‫الخاتمة‪ :‬إن التعامل في العلاقات الإنسانية وقيام العدالة الاجتماعية يتم بالقانون الذي يعتمد على العقل وبالأخلاق التي تعتمد على‬

                                               ‫العاطفة فإذا كان القانون يمثل روح هذه العلاقات فان الأخلاق يمثل حرارتها‪.‬‬

‫الدرس ‪ :‬الحقيقة الفلسفية والحقيقة العلمية‬  ‫إلى أي حد يمكن اعتبار الحقيقة مطلقة في الفلسفة ؟‬

                                                                       ‫طرح المشكلة‪" :‬احتمال وجود رأيين جدليين متناقضين"‬
‫إن موضوع الحقيقة اتخذ وجها ت نظر متعددة من طرف الفلاسفة ‪ ،‬والمفكرين ‪ ،‬والعلماء‪ .‬فهنالك من يرى أن الحقيقة مطلقة دون‬
‫إدخال الذات ‪ ،‬وهنالك من يرى أن الحقيقة نسبية متغيرة حسب معرفة الذوات لها ‪ ،‬دون وجود طابع موضوعي أو خارجي ‪ ،‬ففي‬
‫ظل هذا التعدد والتباين في فهم الحقيقة وإدراكها على حقيقتها الحقه ‪ ،‬يمكننا طرح تساؤلات عدة حول مشكلة الحقيقة في الفلسفة‪ :‬إلى‬

                                                  ‫أي مدى يمكن إعتبار الحقيقة مطلقة دون وجود ما يسمى بالنسبية في الفلسفة ؟‬
                                                                                                        ‫محاولة حل المشكلة‪:‬‬
                                                                                                            ‫‪ -1‬الأطروحة‪:‬‬

‫إن مقياس الوضوح والبداهة والصدق واليقين هو أساس الحقيقة المطلقة للفلسفة ‪ ،‬ومن هؤلاء الفلاسفة والمفكرين نجد أمثال الفيلسوف‬
‫الفرنسي "رينيه ديكارت" الذي يعتبر قطب رئيسي للفلسفة الحديثة ‪ ،‬ولقد فجر العصر الحديث بمقولته المشهورة‪ >> :‬أنا أفكر إذن‬
‫أنا موجود << هذا الكوجيتو الذي يحمل حقيقة مطلقة في البديهيات الرياضية التي تعتبر ضرورية وواضحة بذاتها كقولنا مثلا في‬
‫البديهيات ‪ ،‬أن الواحد أكبر من الجزء أو أن اثنان ضعف الواحد وأن ‪ ، 2=1+1‬وفكرة البداهة والوضوح لدى ديكارت لم تظهر لهذا‬
‫الوجود إلا إذا تبين أن ذلك الشيء البديهي حق وعدم التقيد بالأفكار السابقة ‪ ،‬وفكرة الوضوح لن تتأتى إلا بالشك المنهجي المنظم‬
‫الذي يحقق نتائج صحيحة وواضحة دون شك هدام بمعنى دون الشك من أجل الشك ‪ ،‬بل الشك الذي هو في حد ذاته تفكير ‪ ،‬وفي هذا‬
‫المقام يتحصل ديكارت على الحقيقة المطلقة عن طريق ما يسمى البداهة والوضوح وذلك وفق وضوح التفكير ‪ ،‬وهنالك إلى جانب‬
‫هذا الرأي وهو رأي الفيلسوف الهولندي‪" :‬باروخ إسبنوزا" الذي يرى بأنه ليس هناك معيار للحقيقة خارج عن الحقيقة ‪ ،‬بل مجمل‬
‫الحقيقة كلها تتجلى في فكرة الصدق حيث أن النور يكشف عن نفسه وعن الجهل ‪ ،‬وكذا العدل يكشف عن نفسه ومعيار الكذب ‪ ،‬وكذا‬
‫الخير يكشف عن نفسه وعن الشر ‪ ،‬هذا ما نفهمه من خلال الفيلسوف اليوناني سقراط حينما أراد تجسيد العدالة في المجتمع ‪ ،‬حينما‬
‫حارب السفسطائيين في قضية مطلقة الأخلاق حيث اعتقدوا أنها ذاتية وخاصة ‪ ،‬وخاصة فكرة العدالة والتي من أجلها مات عن طريق‬

                                                                      ‫الإعدام‪ .‬في هذا المقام تكمن الحقيقة المطلقة دون منازع‪.‬‬
                                                                                                      ‫‪ -2‬نقيض الأطروحة‪:‬‬

‫حقيقة إن الحقيقة المطلقة تتجلى في الوضوح ‪ ،‬والبداهة ‪ ،‬والصدق ‪ ،‬واليقين ‪ ،‬والثبات وما هو دائم سرمدي ‪ ،‬ولكن هناك من عارض‬
‫معارضة شديدة هذا الطرح للحقيقة ‪ ،‬وأعطى بديلا فلسفيا يتجلى في الحقيقة النسبية‪ .‬وفي هذا الموقف النقيض هناك فلاسفة أمثال‬
‫"بيرس شارل" الذي يرى أن الحقيقة نسبية وذلك من خلال فكرة النفع أي المصلحة من خلال أي فعل أو سلوك من أي إنسان وجب‬
‫أن يترجمه العمل والتطبيق وفي هذا الصدد يقول "بيرس"‪" :‬إن تصورنا لموضوع ما هو تصورنا لما قد ينتج من هذا الموضوع من‬
‫آثار عملية لا أكثر" ‪ ،‬ومعنى هذا القول أن المعارف الصحيحة إنما تقاس بالنتائج التي تترتب على طبيعتها في الواقع وإن حققت لنا‬
‫نتائج إيجابية ملموسة كانت صحيحة ‪ ،‬وإذا لم تحقق ذلك كانت خاطئة ‪ ،‬وهناك أيضا "وليام جيمس" الذي يقول‪" :‬إن كل ما يؤدي إلى‬
‫النجاح فهو حقيقي" وأيضا يقول‪' :‬الحق ليس التفكير الملائم لغاية" ‪ ،‬ومعنى هذا القول عند جيمس هو أن الحق عندما يكون حقا إلا‬
‫إذا كانت مصلحة ما دون وجود غايات ‪ ،‬لأن لو كانت هناك غاية لأصبحت الحقيقة مطلقة ‪ ،‬وهذا غير موجود في البرغماتية ويضيف‬
‫"جيمس" مبينا بأن العدد (‪ )22‬بإمكان إحتمال وجود هذا العدد بهذه الصورة باحتمالات عدة ‪ ،‬فبإمكان أن يكون مكعب العدد (‪، )3‬‬
‫أو حاصل ضرب (‪ ، )3×9‬أو حاصل جمع (‪ ، )1+22‬أو باقي طرح (‪ )23‬من (‪ )111‬أو بطرق لا نهاية لها ‪ ،‬وهذا بإمكاننا القول‬
‫بأنها احتمالات صادقة وذلك حسب ما نضيفه نحن إلى العالم لأنه من صنعنا نحن ‪ ،‬أي من ذواتنا دون وجود حقيقة مطلقة ‪ ،‬بل هناك‬
‫حقيقة نسبية وكما نجد "جون ديوي" الذي يرى أن التفكير يعتبر أداة أو وسيلة نلجأ إليها كلما صادفتنا مشكلة تعترض سبيلنا ‪ ،‬وذلك‬
‫عن طريق حل هذه المشكلة عن طريق إبتكار الوسائل الضرورية وتجاوز المواقف المعقدة ‪ ،‬وهنا بالضبط الحقيقة النسبية ‪ ،‬لأنه لا‬

                                                              ‫تحصل دفعة واحدة ‪ ،‬بل تنمو وتتطور وتتراكم بالعمل والتجارب‪.‬‬
                                                                                                              ‫‪ -3‬التركيب‪:‬‬
-----------------------Page 13 End-----------------------

                                                            ‫‪16‬‬

‫إن الحقيقة ليست واحدة بل هناك حقائق تتجلى في الحقيقة المطلقة حسب ما هي موجودة في فكرة الوضوح والبداهة عند العقلانيين ‪،‬‬
‫والحقيقة النسبية التي تؤسسها المنفعة و المصلحة عند البرغماتيين ‪ ،‬ولكن كلا من الوضوح والنفع يحكمها معيار نسبي أي أنه متغير‬

                                             ‫غير ثابت ‪ ،‬لأن معيار الحقيقة في منطق الوضوح والنفع كلاهما نسبي غير مطلق‪.‬‬
                                                                              ‫حل المشكلة‪" :‬الفصل في المشكلة المتجادل فيه"‬

‫إن معيار الحقيقة في الفلسفة من جهة الوضوح والنفع ليس بالإطلاق ‪ ،‬بل بنوع من النسبية والتغير ‪ ،‬لأن الحقيقة المطلقة تتواجد في‬
                                   ‫الحقائق الرياضية والعلمية والفيزيائية نتيجة معيارها التجريبي ‪ ،‬غير شأن الحقيقة في الفلسفة‪.‬‬

‫الدرس ‪ :‬الرياضيات والمطلقية‬                                                   ‫الطريقة ‪:‬جدلية‬

‫الإشكال‪:‬هل ترى أن المفاهيم الرياضية في تطورها نابعة من التجربة أم من العقل ؟‬

     ‫لقد انقسم المفكرون في تفسير نشأة المفاهيم الرياضية إلى نزعتين ‪،‬نزعة عقلية أو مثالية يرى أصحابها أن المفاهيم‬
 ‫الرياضية من ابتكار العقل دون التجربة ‪،‬ونزعة تجريبية أو حسية يذهب أنصارها إلى أن المفاهيم الرياضية مهما بلغت من‬
  ‫التجريد العقلي فإنها ليست من العقل في شي وليست فطرية ؛بل يكتسبها الإنسان عن طريق تجاربه الحسية فما حقيقة الأمر‬

                                                     ‫؟فهل المفاهيم الرياضية في نموها انبثقت من التجربة أم من العقل ؟‬
 ‫يرى أصحاب الاتجاه المثالي أو العقلي أن المفاهيم الرياضية نابعة من العقل وموجودة فيه قبليا فهي توجد في العقل قبل‬

    ‫الحس أي أن العقل لم يفتقر في البداية إلى مشاهدة العالم الخارجي حتى يتمكن من تصور مفاهيمه وإبداعها وقد كان على‬
‫رأس هذه النزعة أفلاطون الذي يرى أن المعطيات الأولية الرياضية توجد في عالم المثل فالخطوط والأشكال والأعداد توجد‬

   ‫في العقل وتكون واحدة بالذات ثابتة وأزلية يقول أفلاطون(إن العلم قائم في النفس بالفطرة والتعلم مجرد تذكر له ولا يمكن‬
   ‫القول أنه اكتساب من الواقع المحسوس)؛فهو يرى أن المفاهيم الرياضية لا ندركها إلا بالذهن وحده ‪،‬فالتعريفات الرياضية‬
   ‫مجالها ذهني ولا تتحقق إلا بواسطة العقل دون حاجة إلى المحسوسات فالتعريفات للحقائق الرياضية واحد لا يتغير واضح‬
   ‫متميز وعلى شاكلة هذا الطرح ذهب ديكارت إلى أن الأعداد والأشكال الرياضية أفكار لا يجوز فيها الخطأ وفي هذا يقول‬
  ‫(إنها ما ألقاه الله في الإنسان من مفاهيم)أي بمعنى المفاهيم الرياضية ويؤكد مالبرانش من جهته ذلك حيث يقول(إن العقل لا‬
     ‫يفهم شيئا ما إلا برؤيته في فكره اللانهائي التي لديه وأنه لخطأ خالص أن تظن ما ذهب إليه فلاسفة كثيرون من أن فكره‬
  ‫اللانهائي قد تكونت من مجموعة الأفكار التي تكونها عن الأشياء الجزئية بل العكس هو الصحيح ‪،‬فالأفكار الجزئية تكتشف‬
    ‫وجودها من فكره اللانهائي كما أن المخلوقات كلها تكتسب وجودها من الكائن الإلهي الذي لا يمكن أن يتفرع وجوده عن‬
   ‫وجودها )إننا فيم يقول لم نخلق فكرة الله ولا فكرة الامتداد بكل ما يتفرع عنها من حقائق رياضية وفيزيائية فقد جاءت إلى‬
    ‫عقولنا من الله و يمكن أن نضم كانط إلى هذه النزعة رغم أنه كان يقصد التركيب بين التفكير العقلي والتفكير الحسي فهو‬

     ‫يرى أن الزمان والمكان مفهومان عقليان قبليان سابقان لكل معرفة تجريبية ويؤطرانها وهم يرون أن هذه الحقائق تدعم‬
   ‫نظرتهم وهي كالتالي ‪:‬إن الملاحظة لا تكشف لنا على الأعداد بل على المعدودات كذلك أن المكان الهندسي الذي نتصوره‬
     ‫على شكل معين يشبه المكان الحسي الذي نلاحظ بالإضافة إلى أن الخط المستقيم التام الاستقامة لا وجود له كذلك بعض‬

              ‫القوانين كالعلاقات بين الأشكال كما أن الكثير من المعاني الرياضية مثل ‪ 7.0‬لا ترجع إلى الواقع المحسوس ‪.‬‬
     ‫إن القول بهذا الرأي لم يصمد للنقد ذلك أنه مهما تبدو المعاني الرياضية مجردة فإنه لا يمكن القول بأنها مستقلة عن‬
‫الواقع الحسي و إلا فكيف نفسر الاتجاه التطبيقي للهندسة لدى الشعوب القديمة خاصة عند الحضارات الشرقية في استخدامها‬

                 ‫الطرق الرياضية في الزراعة والحساب وهذا ما يدل على ارتباط الرياضيات أو التفكير الرياضي بالواقع ‪.‬‬
   ‫وعلى عكس الرأي السابق نجد أصحاب المذهب الحسي أو التجريبي مثال جون لوك *دافيد هيوم* جون ستورات مل‬
    ‫يرون أن المفاهيم الرياضية في رأيهم مأخوذة‪-‬مثل جميع معارفنا‪ -‬من صميم التجربة الحسية ومن الملاحظة العينية ‪،‬فمن‬

     ‫يولد فاقدا لحاسة فيما يقول هيوم لا يمكن بالتالي أن يعرف ما كان يترتب على انطباعات تلك الحاسة المفقودة من أفكار‬
‫فالمكفوف لا يعرف ما اللون والأصم لا يعرف ما الصوت ‪،‬إن الانطباعات المباشرة التي تأتينا من العالم الخارجي هي بمثابة‬

     ‫توافد للأفكار ومعطيات للعقل ‪،‬ونجد جون ستوارت ميل يرى (أن المعاني الرياضية فيما يقول والخطوط والدوائر التي‬
‫يحملها كل واحد في ذهنه هي مجرد نسخ من النقط والخطوط والدوائر التي عرفها في التجربة ) ‪،‬وهناك من الأدلة والشواهد‬
 ‫من الواقع النفسي ومن التاريخ ما يؤيد هذا الموقف ‪،‬فعلم النفس يبين لنا أن الأعداد التي يدركها الطفل في بادئ الأمر كصفة‬
‫للأشياء ولكنه لا يقوى في سنواته الأولى على تجريدها من معدوداتها ثم أنه لا يتصور إلا بعض الأعداد البسيطة فإذا ما زاد‬

    ‫على ذلك قال عنه (كثير ) فمثلا لو أعطينا طفل ثلاث حبات زيتون وأعطينا بالمقابل أخاه الأكبر خمس حبات فنلاحظ أن‬
     ‫الطفل الصغير يشعر بضيق كبير لأنه يرى أن حصته أقل من حصة أخيه لكن حكمه لا يستند إلى أن حصة أخيه الأكبر‬
     ‫تفوقه بـ (‪ )2‬لأن هذه العملية تتطلب منه النظر إلى كمية الزيتون باعتبارها وحدات مجردة من منافعها ثم طرح مجموع‬
     ‫الوحدات التي لديه من مجموع الوحدات التي كانت من نصيب أخيه وهذه العملية ليس بوسع الطفل القيام بها في مرحلته‬

      ‫الأولى ‪،‬كذلك أن الرجل البدائي لا يفصل هو الآخر العدد عن المعدود فقد كان يستخدم لكل شيء كلمة خاصة به فمثلا‬
   ‫العدد(‪ )2‬يعبر عن جناحي الطير والعدد (‪ )4‬يعبر عن قدمي الطير وقد كان لليد تأثير كبير في الحساب حتى قال أسبيناس‬
-----------------------Page 14 End-----------------------

                                                            ‫‪11‬‬

 ‫أنها أداة الحساب ‪،‬إذن فالمفاهيم الرياضية بالنسبة لعقلية البدائي والطفل لا تفارق مجال الإدراك الحسي وكأنها صفة ملامسة‬
   ‫للشيء المدرك كالطول والصلابة ‪.‬أما من التاريخ فتاريخ العلوم يدلنا على أن الرياضيات قبل أن تصبح علما عقليا قطعت‬
      ‫مرحلة كلها تجريبية ودليل ذلك أن العلوم الرياضية المادية هي التي تطورت قبل غيرها فالهندسة كفن قائم بذاته سبقت‬

‫الحساب والجبر لأنها أقرب للتجربة ويظهر أيضا أن المفاهيم الرياضية الأكثر تجريدا أخذت نشأتها بمناسبة مشاكل محسوسة‬
                                         ‫مثل تكعيب البراميل وألعاب الصدفة التي عملت على ظهور حساب الاحتمالات ‪.‬‬

   ‫إنه لمن الواضح أن العلم لا يجد أية صعوبة في تطبيق هذه المعاني ولكن هذا لا يعني أن ننكر دور العقل في تحصيل‬
                                                                  ‫هذه المعاني ولهذا ظهر الاتجاه التوفيقي بين الطرفين ‪.‬‬

‫إن الخطأ الذي وقع فيه المثاليون والتجريبيون هو أنهم فصلوا العقل عن التجربة والحق أنه لا وجود لعالم مثالي أو عقلي‬
  ‫ولأعداد وأشكال هندسية تتمتع بوجود لذاتها مثل الأفكار الأفلاطونية والقوالب الكانطية القبلية ونجد جون بياجي الذي يرى‬
    ‫أن للعقل دورا إيجابيا ذلك أن عملية التجريد واكتساب المعاني عمل عقلي ويرى في المقابل أن العقل لا يحمل أي معاني‬

‫فطرية قبلية بل كل ما فيه قدرة على معرفة الأشياء وتنظيمها ويرى كذلك جون سارتون أن العقل لم يدرك المفاهيم الرياضية‬
     ‫إلا من جهة ارتباطها بلواحقها المادية ولكنه انتزعها بالتجربة من لواحقها حتى أصبحت مفاهيم عقلية بحتة ‪،‬وأيضا نجد‬

 ‫بوانكاري يقول (لو لم يكن في الطبيعة أجسام صلبة لما وجد علم الهندسة فالطبيعة في نظره بدون عقل مسلط عليها لا معنى‬
                   ‫لها يقول أحد العلماء الرياضيين (إن دراسة معمقة للطبيعة تعد أكثر المنابع إثمارا للاكتشافات الرياضية)‬

     ‫لا شك أن التجربة كانت في البداية منطلق التفكير الرياضي ومنه له ولكن منذ ذلك العهد أصبح من الصبياني طرح‬
   ‫مشكلة أسبقية العقل أو التجربة في نشوء هذا التفكير لأن هذا التفكير الرياضي تطور بصفة مستقلة نحو النطاق أو المملكة‬
‫العقلية الخالصة ‪،‬رغم الفارق الذي يظهر بين التجربة من جهة والمجرد العقلي من جهة أخرى فإن اللغة الرياضية تبقى نافعة‬

                                                                         ‫جدا في معرفة العالم المحسوس معرفة علمية ‪.‬‬

‫الدرس ‪ :‬الرياضيات والمطلقية‬  ‫السؤال‪:‬‬

‫أي الخصائص يمكنها أن تميز بين التفكير المنطقي والتفكير الرياضي ؟‬

                             ‫المقدمة‪:‬‬

‫الإستنتاج هو إحدى طرق التفكير الأكثر عموما وهو وسيلة برهان فننتقل من المقدمات المسلم بصدقها إلى النتيجة الصادقة التي‬

‫تلزم عنها وهو منطق مشترك بين المنطق والرياضيات مما يحمل على الإلتباس بين طريقة التفكير في المنطق وطريقة التفكير‬

‫في الرياضيات ولهذا نجد أنفسنا محمولين على التساؤل عما يمكن أن يفرق بينهما ‪ ،‬أو بمعنى آخر هل يختلف التفكير الرياضي‬

                             ‫عن التفكير المنطقي ؟‬

                             ‫المشكلة‪:‬‬

‫ب‪ :1‬يقوم المنهج الإستدلالي على مبادئ عامة ‪ ،‬يجب تحديدها في البداية كي يستقيم هذا الإستدلال وتحدد طرقه ‪ ،‬ويتميز التفكير‬

‫الرياضي والتفكير المنطقي على السواء بتحديد مبادئهما بطريقة قبلية بحيث نكون هي أساس الإستنتاج ‪ ،‬ومن ثم فالتفكير الرياضي‬

‫يقوم على مجموعة من المبادئ تعتبر هي الأسس المشروعة لقيامه كتفكير خاص كما يقوم التفكير المنطقي على مبادئ خاصة‬

‫تعتبر هي أسس الإستدلال المنطقي المشروعة وبدون هذه المبادئ لا يستقيم الإستدلال ويتعذر الإستنتاج‪.‬‬

                             ‫والمبادئ التي تقوم عليها الرياضيات هي‪:‬‬

‫أولا التعاريف‪ :‬ونعني بها تحديد جميع الرموز المستخدمة في التفكير الرياضي كالأعداد والأشكال الهندسية والعلاقات الرياضية‬

‫والرموز المتعلقة بقيم الأعداد والمحددة لطبيعة ونوع العلاقة الرياضية كعلاقة القسمة والجذر التربيعي إلى الخ ‪...‬‬

                             ‫وإلا جانب التعاريف هناك‪:‬‬

‫البديهيات أو (الأولويات) وهي المبادئ العقلية الأولية الصادقة بذاتها صدقا ضروريا ولا تطلب البرهان على صدقها مثل قولنا‬

‫الكل أكبر من أجزائه ‪ ،‬أو الخمسة هي نصف العشرة ‪ ،‬وأن الكمين لكم آخر متساويين‪.‬‬

                             ‫وهناك أيضا‪:‬‬

‫المسلمات‪ :‬أو (المصادرات) وهي تلك القضايا الشديدة العموم التي يضعها الرياضي في أحد فروض الرياضيات دون أن يبرهن‬

‫عليها والتي تعتبر كقواعد أو مقدمات صادقة ضرورية للإستدلال ‪ ،‬إذا التعاريف والبديهيات والمسلمات هي المبادئ العامة التي‬

‫يقتضيها الإستدلال الرياضي كشرط ضروري ‪ ،‬أما المنطق فيقوم أيضا على مبادئ عامة بدونها لا يصح الإستدلال المنطقي مثل‬

‫تعريف الحدود وأنواعها والقضايا وأنواعها والعلاقة المنطقية ومعرفة الموضوع ‪ ،‬والمحمول ‪ ،‬والمفهوم ‪ ،‬والقضية المركبة ‪،‬‬

‫والقضية البسيطة ‪ ،‬والقضية الحملية ‪ ،‬والقضية الشرطية ‪ ،‬ومعرفة القواعد العامة الخاصة بالإستدلال المباشر أو غير المباشر‬

                             ‫(القياس)‪.‬‬
-----------------------Page 15 End-----------------------

                                                            ‫‪11‬‬

‫ب‪ :2‬رأينا أن الإستدلال الرياضي و الإستدلال المنطقي كلاهما قائم عل الإستنتاج إنطلاقا من مبادئ معينة غير أنه إذا كان‬
                 ‫الإستنتاج إنطلاقا من مبادئ معينة غير أنه إذا الإستنتاج مشتركا بينهما فهذا يلزم عنه أن طريقة بينهما واحدة‪.‬‬

‫يري بوانكريه أن الإستدلال الرياضي يختلف عن القياس لأن القياس لا نصل فيه إلى نتيجة جديدة بالنسبة للمقدمات بل هو تكرار‬
‫للمقدمات فالحد الأكبر والحد الأصغر اللذان نجدهما في المقدمات نجدهما في النتيجة أيضا وهكذا فالقياس نوع من تحصيل‬
‫الحاصل ‪ ،‬أما الإستدلال الرياضي وإن كان إبتكار النتيجة وهذا بخلاف نتيجة القياس ‪ ،‬ويرى بوانكريه أن نتيجة الإبتكار الرياضي‬

                                                                       ‫يشبه في طبيعته الإبتكار العلمي فهو قائم على نظام‪.‬‬
‫فسيستخدم الرياضي عقله في حل قضاياه ويتطلب في ذلك جهدا أكبر ونفسا أطول ‪ ،‬ولا يهتدي إلى الحل بنفس السهولة التي يبدو‬

                                                                                                           ‫عليها القياس‪.‬‬
‫ويرى جوبلو من جهته أ ما يتميز به الإستدلال الرياضي بصفة خاصة هو كونه يعتمد على التعميم وهذا التعميم نوعان فهو إنتقال‬
‫من البسيط إلى المركب أو إنتقال من الخاص إلى العام ومثال الأول الحالة البسيطة القائلة بأن مجموع زوايا المثلث تساوي قائمتين‬
‫إلى البرهنة على صدق حالة أشد تركيبا منها وهي القائلة بأن مجموع الزوايا القائمة في أي شكل كثير الأضلاع تساوي ضعف‬

                                                                                              ‫أضلاعه ناقصا أربع قوائم‪.‬‬
‫ومثال الحالة الثانية من الخاص إلى العام‪ :‬إذا أثبتنا أن زاويتي القاعدة في المثلث متساوي الساقين أ ب ج متساويتان فإنه يمكننا‬
‫تعميم هذه القضية على جميع المثلثات متساوية الساقين ‪ ،‬مع صرف النظر عن مقدار كل زاوية ‪ ،‬ويذهب ديكارت من جهته أيضا‬
‫إلى أن التفكير الرياضي يختلف عن الإستنتاج القياسي لأن القياس لا يتوفر على التحليل الكامل الذي يسع الإستنتاج الرياضي هذا‬
‫من جهة ومن جهة أخرى فإن القياس ينتقل من قضيتين عامتين إلا قضية ثالثة أقل عموما منهما بينما يعتمد التفكير الرياضي على‬

                                                                                                 ‫عملية التعميم كما رأينا‪.‬‬
‫ونستنتج مما سبق أن المنطق يختلف عن الرياضيات أولا في كون النظرية المنطقية لا تشمل بالقدر الكافي جميع العلاقات التي‬
‫يتطلبها التفكير الرياضي ‪ ،‬ثانيا أن التعريف في الرياضيات أكثر منها في المنطق ثالثا ‪ ،‬أن التفكير الرياضي قائم على عملية‬

                                                                                             ‫التعميم وليس المنطق كذلك‪.‬‬
                                   ‫رابعا‪ :‬تتوفر الرياضيات على كثرة من البديهيات والمسلمات لا يتوفر عليها المنطق القديم‪.‬‬
‫ب‪ :3‬لقد رأينا أن الطريقة الإستنتاجية مشتركة بين الرياضيات والمنطق ممال جعل قضاياهما تتداخل ومما جعل أرسطو قديما‬
‫يرجع المنطق للرياضيات غير أن سعة التحليل الرياضي وخصوبة علاقته حددت الفرق بين الرياضيات والمنطق فضلا على أن‬
‫للرياضيات مجالا واسعا في التطبيق فلغتها صارت مستخدمة في مختلف العلوم التي تطمح إلى الدقة لكن تطبيق المنطق يجد‬

                                                            ‫مجاله في صيغ لغة التعبير العادية وفي أساليب البرهان العقلي‪.‬‬
                                                                                                                ‫الخاتمة‪:‬‬

‫لقد لمسنا الجوانب المتفقة بين المنطق والرياضيات في الجزء الثاني ثم إنتهينا إلى بيان أهمية كل منهما مع هذا الإستثناء أن‬
                                                                          ‫الرياضيات تبدو أوسع مجالا في تطبيق المنطق ‪.‬‬

‫وعندئذ تتوقف هذه المقارنة عند حدود معطيات النظرية المنطقية القديمة أو (القياس) لكن المنطق الرياضي الذي ينظر في قضايا‬
              ‫العلم ‪ ،‬والمنطق الجدلي يكون مجالهما الواقع وخاصة المنطق الجدلي الذي يأخذ صبغته الإجتماعية عند ماركس‪.‬‬

‫الدرس ‪ :‬الرياضيات والمطلقية‬  ‫السؤال ‪ :‬هل ترى أن المفاهيم الرياضية نابعة من التجربة أم العقل ؟‬

                             ‫طرح المشكلة‪:‬‬

‫باعتبار أن الرياضيات علم من العلوم التجريدية التي تتعلق بالمقادير الكمية ‪ ،‬والتي تبحث في الرموز المجردة ومجالها التصور‬

‫العقلي البحت ‪ ،‬أثيرت تساؤلات عدة في شأن أصل الرياضيات ومصدرها ‪ ،‬فهناك من ردها إلى التجربة وهناك من أرجعها إلى‬

                             ‫العقل ‪ ،‬في ظل هذا النزاع يمكننا طرح التساؤلات التالية‪:‬‬

‫هل أصل الرياضيات التجربة أم العقل؟ أو بعبارة أخرى‪ :‬هل أصل الرياضيات عقلي خالص لا صلة لها بالواقع الحسي؟‬

                             ‫محاولة حل المشكلة‪:‬‬

                             ‫‪ -1‬الأطروحة‪:‬‬

‫إن أصل الرياضيات عقلي خالص حسب ما يراه الفلاسفة العقليين المثاليون أمثال الفيلسوف اليوناني "أفلاطون" الذي يقول‪" :‬إن‬

‫المعرفة تذكر" ‪ ،‬وما نفهمه من هذا التعريف حسب أفلاطون هو أن كل المعارف بمختلف أشكالها تذكر ‪ ،‬حيث أن الإنسان عندما كان‬

‫في عالم المثل عرف هذه المعرف ومنها الرياضيات ‪ ،‬ولكن عندما جاء إلى عالم الواقع المادي نسي تلك المعرفة ولكن سرعان ما‬

‫يدركها بالذهن وحده دون أي واسطة من وسائط المعرفة ‪ ،‬وما أكده أفلاطون كذلك على أن التعريفات الرياضية مجالها ذهني ولن‬
-----------------------Page 16 End-----------------------

                                                            ‫‪11‬‬

‫تتحقق إلا بواسطة العقل دون المعرف الأخرى ‪ ،‬وكما أوضح لنا أفلاطون على أن التعريفات الرياضية طبيعتها أنها أزلية وثابتة لن‬
‫تتغير لأن لها سبق مثالي على ملامسة هذه التعريفات للواقع الخارجي‪ .‬وإلى جانب أفلاطون هناك الفيلسوف الفرنسي قطب الفلسفة‬
‫الحديثة ومفجر ثورة العقلانية إنه " روني ديكارت " الذي حاول أن يوضح لنا أن الرياضيات نابعة من أفكار فطرية شأنها شأن‬
‫فكرة الله ‪ ،‬ومعنى هذا أن الرياضيات تأسست بفعل العقل وذلك أنها بعيدة عن مجال الملموس الخارجي ‪ ،‬وفي هذا المقام يقول‬
‫ديكارت ‪ :‬إن العقل أعدل قسمة بين الناس وما نفهمه من هذا القول هو أن الناس جميعا يشتركون في هذه الملكة المعرفية والتي بها‬
‫يصلون إلى مبتغاهم ‪ ،‬وبالإضافة إلى هذا الفيلسوف نجد الفيلسوف الفرنسي أيضا "مالبرانش" الذي يرى بأن الأفكار الرياضية وكل‬
‫المعارف جاءت من عند الله ‪ ،‬وذلك بفعل العقل دون وسائل معرفية أخرى ‪ ،‬وكما يؤكد قطب الفلسفة النقدية " إيمانويل كانط " على‬
‫أن أساس الرياضيات يتجلى في القضايا العقلية التي تفرض نفسها على العقل ‪ ،‬وهي معرفة كلية ‪ ،‬ولقد أسماها "كانط" بالمعارف‬
‫الأولية التي لا تعني الأفكار الفطرية كما عند "ديكارت " بل أن هذه المعارف الأولية بمثابة شروط ضرورية قائمة في الذهن ‪ ،‬ولقد‬

                                     ‫ركز "كانط" على فكرتي الزمان والمكان على أنهما مفهومان مجردان عن العالم الخارجي ‪.‬‬
                                                                                                     ‫‪ -2‬نقيض الأطروحة ‪:‬‬

‫على عكس ما طرحه الفلاسفة العقلانيين على أن أصل الرياضيات هو العقل ‪ ،‬هناك رأي مضاد يرى أن أصل الرياضيات هو‬
‫التجربة ومن هؤلاء الفلاسفة الحسيين التجريبيين نجد الانجليزي " جون لوك " الذي رد على ديكارت بأنه لا وجود للمعاني الفطرية‬

                                                            ‫في النفس لأن الأطفال والبله والمتوحشين لا يعرفونها وهذا قوله ‪:‬‬
‫" إن الطفل يولد صفحة بيضاء تكتب فيه التجربة ما تشاء ؛ ومعنى هذا ومعنى هذا القول أن المعرفة الرياضية أو أي معرفة أخرى‬
‫إنما تكتسب من الواقع الحسي ‪ ،‬وهناك أيضا الفيلسوف الفرنسي " كوندياك " الذي يرى بأن الإحساس هو المنبع الذي تنبجس منه‬
‫جميع قوى النفس ‪ ،‬وأيضا يؤكد "دافيد هيوم" على أن جميع معارفنا مستمدة من التجربة ‪ ،‬لأن العقل بدون تجربة لا يساوي شيء ‪،‬‬
‫فتكمن المعرفة الرياضية هي المعرفة الخارجية ‪ ،‬وكما يؤكد الفيلسوف الإنجليزي "جون ستيوارت ميل" الذي يرى أن الرياضيات‬
‫هي علم الملاحظة كما يرى جل الوضعين المعاصرين ‪ ،‬وكما يوضح أن النقط والخطوط والدوائر قبل أن تكون عقلية كانت تجريبية‬
‫أي أنها "مجرد نسخ" ‪ ،‬وكما أن تاريخ العلوم يشهد على أن الرياضيات قبل أن تكون عقلية كانت تجريبية ‪ ،‬وذلك من خلال الحضارات‬

           ‫الشرقية القديمة التي مارست الرياضيات ممارسة عملية قبل أن تكون نظرية ‪ ،‬وذلك في تنظيم الملاحة والفلاحة والري‪.‬‬
                                                                                                               ‫‪ -3‬التجاوز‪:‬‬

‫إن هذا الرأي التجاوزي يرى أصحابه على أنه لا وجود للعقل دون الأشياء المحسوسة دون العقل‪ .‬بل هناك تلازم وترابط وظيفي‬
‫بينهما والذي يتزعم هذا الإتجاه التجاوزي العالم النفساني السويسري "جان بياجي" الذي يرى أن الرياضيات عبارة عن نشاط إنشائي‬
‫وبنائي يقوم به العقل ويعطي التجربة صورتها ‪ ،‬وخلال ذلك يتهيل هذا النشاط في حد ذاته ‪ ،‬بمعنى أن العقل لا يحتوي على أطر‬
‫مسبقة بل فيه القدرة على الإنشاء وفي هذا المقام يقول جورج سارطون‪" :‬إن الرياضيات المشخصة هي أولى العلوم الرياضية نشوءا‬
‫فقد كانت في الماضي تجريبية‪ ...‬ثم تجردت من هذه التأثيرات فأصبحت علما عقليا"‪ .‬ومعنى هذا القول عند سارطون هو أن معاني‬
‫الرياضيات قبل أن تكون عقلية محضة كانت حسية واقعية وذلك وفق منطق التدرج و التمرحل من مرحلة الملموس إلى مرحلة التعقل‬

                                                                                                                    ‫المجرد‪.‬‬
‫وفي هذا الطرح التجاوزي هناك أيضا قول الفيلسوف الفرنسي "بوانكريه" الذي يقول‪" :‬لو لم يكن في الطبيعة أجسام صلبة لما وجد‬
‫علم الهندسة ‪ ،‬ولكن الطبيعة بدون عقل مسلط عليها لا معنى لها"‪ .‬ومعنى هذا القول هو أن علم الهندسة ولد من خلال الأجسام‬

   ‫الموجودة في الطبيعة ‪ ،‬و وجود طبيعة بكل أشكالها المتعددة بدون وجود عقل دارس ومعمق لها لن تساوي شيء في هذا الكون‪.‬‬
                                                                                                               ‫حل المشكلة‪:‬‬

‫حقيقة إن التجربة كانت المنطلق إلى التفكير الرياضي ‪ ،‬ولكن من هذا المنطلق تجردت الرياضيات تجريدا بعيدا عن الواقع الحسي ‪،‬‬
                                                           ‫ولهذا فاللغة الرياضية تبقى هي الأساس في معرفة العالم المحسوس‪.‬‬

‫الدرس ‪ :‬الرياضيات والمطلقية‬  ‫السؤال‪ :‬قارن بين المعرفة الرياضية والمعرفة التجريبية‪.‬‬

                             ‫طرح المشكلة‪:‬‬

‫إن التطور الذي عرفته العلوم التجريبية في العصر الحديث بفضل تطبيقها المنهج التجريبي مكنها من الوقوف على النتائج‬

‫المتصفة بالرمزية والدقة على غرار ما في الرياضيات‪ .‬والإشكال الذي يتحدد حول ذلك هو ‪ :‬فما العلاقة بين الدقة في الرياضيات‬

‫والدقة في العلوم؟ أو بعبارة أخرى ‪ :‬ما هي أوجه المقارنة بين الرياضيات والعلوم التجريبية؟‬

                             ‫محاولة حل المشكلة ‪:‬‬

                             ‫‪ -1‬أوجه الاتفاق ‪:‬‬
-----------------------Page 17 End-----------------------

                                                          ‫‪13‬‬

                                                                      ‫كل من والرياضيات العلوم التجريبية تشترك في ‪:‬‬
                                                                             ‫‪ ‬التعبير الرمزي عن القضايا‪.‬‬

                                                                    ‫‪ ‬الدقة من حيث النتيجة (استخدام الكم)‪.‬‬
                                                              ‫‪ ‬الابتعاد عن التفسيرات الميتافيزيقية والذاتية‪.‬‬

                                                                                                 ‫‪ -2‬أوجه الإختلاف‪:‬‬
            ‫ومن خلال الخصوصيات لكل واحدة من المعرفتين السابقتين الذكر ‪ ،‬فإننا نجد فارقا بينهما تتمثل عناصره في ‪:‬‬

                                     ‫‪ ‬موضوع الرياضيات مجرد ؛ فيما أن العلوم التجريبية موضوعها حسي ‪.‬‬
                                              ‫‪ ‬المنهج استنتاجي في الرياضيات‪ .‬وتجريبي في العلوم التجريبية‪.‬‬

                  ‫‪ ‬نتائج الرياضيات دقيقة يقينية وهذا بخلاف العلوم التجريبية التي تتصف نتائجها بالدقة النسبية‪.‬‬
                                                                                                    ‫‪ -3‬بيان التداخل‪:‬‬

                                                                                 ‫العلوم التجريبية استمدت نجاحها من ‪:‬‬
                                                                       ‫‪ .1‬استعمال اللغة الرياضية الكمية وإبعاد الكيف‪.‬‬
                                           ‫‪ .2‬اعتماد الفيزياء المعاصرة على منهج الرياضيات الذي هو منهج أكسيومي‪.‬‬
                                       ‫‪ .3‬الفيزياء المعاصرة رجحت مفهوم ريمان للمكان على باقي التصورات الأخرى‪.‬‬

                                                                                                        ‫حل الإشكالية ‪:‬‬

‫الخاصية الوظيفية للمعرف تفرض ترابطا بين الرياضيات والعلوم التجريبية ‪ ،‬فالتطور الحاصل في مجالات العلوم والسعي‬
                                                                    ‫إلى الدقة في نتائجها جاء بعد توظيف الرياضيات‪.‬‬

‫الدرس ‪ :‬العلوم التجريبية والعلوم البيولوجية‬  ‫السؤال‪:‬‬

                                             ‫بماذا تتميز الملاحظة العلمية عن الملاحظة العادية؟‬

                                             ‫المقدمة‪ :‬الإشكال‪:‬‬

‫يبدو أن العلم أو على الأصح العالم يستخدم حواسه في البحث مثله مثل الرجل العادي خاصة حاسة البصر ووظيفة الحواس هي‬

‫الملاحظة ‪ ،‬لكن ما هي الفروق التي تميز بين ملاحظة الرجل العادي وملاحظة العالم؟‬

                                             ‫الاتفاق‪:‬‬

‫كلاهما الملاحظة العلمية والملاحظة العادية قائمة على استخدام الحواس وكلاهما منصبة على موضوع ما خارجي‪.‬‬

‫فالرجل العادي والعالم كلاهما تستوقفهما بعض القضايا التي تلفت الانتباه يوميا مثلا حوادث السيارات ‪ ،‬مشاكل السوق كلا‬

                                             ‫الملاحظتين تصدران عن شخص معين‪.‬‬

                                             ‫الإختلاف‪:‬‬

‫الإختلاف بين ملاحظة العالم وملاحظة الرجل العادي كبير فالملاحظة العلمية هي أولا ملاحظة منهجية ونعني بالملاحظة المنهجية‬

                                             ‫هي ملاحظة مقصودة لها هدف محدد ووسائل‪.‬‬

‫هي ملاحظة إشكالية أي قائمة حول إشكال ما ‪ ،‬وكونها ملاحظة إشكالية هذا ما يعطيها الطابع الإرادي القصدي الواعي ويتمثل‬

‫في الانتباه الطويل مثل ملاحظة علماء الفلك يقضون الليل على طوله مشدودين وراء المنظار ‪ ،‬والإشكالية هنا في عالم الكواكب‬

                                             ‫والمجرات والنجوم‪.‬‬

‫هي ملاحظة مسلحة تستخدم فيها مختلف الأدوات التقنية و التكنولوجية والإلكترونية الممكنة حسب نوع الظاهرة ‪ ،‬يستخدم المنظار‬

‫الفلكي في الملاحظة الفلكية ‪ ،‬والمجهر الإلكتروني في مجال الذرة والخلية إلخ ‪....‬‬

‫هي ملاحظة يساهم فيها العقل والحواس معا ويتدخل العقل عن طريق الذكاء وعن طريق المعرفة المكتبية حول الظاهرة من أجل‬

                                             ‫تفسيرها مؤقتا‪.‬‬

                                             ‫الترابط‪:‬‬

‫لا تداخل بين الملاحظتين العلمية والعادية فالملاحظة العلمية هي ملاحظة مخبرية قائمة على أساس المنهج لها غاية وهدف بينما‬

‫الملاحظة العادية ملاحظة عابرة خاضعة للصدفة ولا يمكن للرجل العادي أن يرى في الظاهرة ما يراه العالم من خلال معرفته‬

                                             ‫بتاريخها وبقوانينها‪.‬‬

                                             ‫تختلف الملاحظة العلمية عن الملاحظة العادية كما وكيفا‪.‬‬
-----------------------Page 18 End-----------------------

‫‪11‬‬

‫الدرس ‪ :‬العلوم التجريبية والعلوم البيولوجية‬  ‫السؤال ‪ :‬دور الفرضية في المنهج التجريبي ؟‬

‫الأسئلة‪- :‬هل يمكن الاستغناء عن الفرضية؟‪-‬هل للفكرة المسبقة دور في الملاحظة والتجربة؟‪-‬هل أساس العلم العقل أم التجربة؟‪-‬‬
                                                                                           ‫هل للاستنتاج دور في بناء العلم؟‬

     ‫المقدمة‪ :‬تنطلق الدراسات العلمية على اختلاف مضمونها ومنهجها من مرحلة البحث حيث تح ّرك العلماء أسئلة‬           ‫‪-I‬‬
‫وإشكالات محيّرة تقودهم إلى مرحلة الكشف من خلال بناء ملاحظات واستنتاجات مختلفة غير أن مكانة الفرضية في‬             ‫‪-II‬‬

 ‫المنهج التجريبي عرفت جدالا كبيرا بين الفلاسفة والعلماء فالمشكلة المطروحة‪:‬هل يمكن الاستغناء عن الفرضية؟‪1‬‬         ‫‪-III‬‬
      ‫‪ /‬الرأي الأول(الأطروحة)‪ :‬ترى هذه الأطروحة الموقف العقلي أن الفرضية نقطة انطلاق ضرورية لكل بحث‬             ‫‪-IV‬‬

    ‫تجريبي وهي من حيث المفهوم مجهود عقلي يستهدف الخروج من الإشكالية التي تطرحها الملاحظة وحجتهم أن‬               ‫‪-V‬‬
     ‫الاكتشافات العلمية أساسها العقل في ليست مجرد تجميع للملاحظات والتجارب‪ ،‬عبّر عن هذه الأطروحة" كلود‬          ‫‪-VI‬‬
       ‫برنارد" قائلا {ينبغي أن نطلق العنان للخيال فالفرضية هي مبدأ كل برهنة وكل اختراع إنها تنشأ عن نوع من‬      ‫‪-VII‬‬
‫الشعور السابق للعقل}‪ ،‬ومن الأمثلة التي تبين دور الفرضية في بناء العلم أن "باستور" ربط ظاهرة التعفن بالجراثيم‬
  ‫رغم عدم رؤيته لها و"فرانسوا أوبير" كان عالما كبيرا لم تمنعه إعاقته البصرية من تخيل التجارب الصحيحة لأنه‬
   ‫عوض فقدان البصر بقوة الحدس العقلي وبقدره على وضع فرضيات صحيحة‪ ،‬كل ذلك دفع" بوانكريه" إلى القول‬
 ‫{إن التجريب دون فكرة سابقة غير ممكن لأنه سيجعل كل تجربة عميقة} والفرضية لها أهمية بعيدة المدى من حيث‬
‫قدرتنا على إثارة الملاحظات والتجارب وكذا رسم الأهداف وتجاوز العوائق قال "ميدوار" في كتابه [نصيحة إلى كل‬
   ‫عالم شاب{ ]على الباحث أن يستمع دوما إلى صوت يأتيه من بعيد‪-‬صوت الفرضية‪ -‬يذكره بسهولة كيف يمكن أن‬

                                                                                                      ‫يكون}‪.‬‬
  ‫نقد‪:‬إن هذه الأطروحة تتجاهل أن الفرضية من خلال اعتمادها على الخيال قد تبعدنا عن الواقع وتدخلنا في متاهات‬

                                                                                       ‫يصعب الخروج منها‪2.‬‬
 ‫‪/‬الرأي الثاني(نقيض الأطروحة)‪ :‬ترى هذه الأطروحة الموقف التجريبي أن المنهج التجريبي هو المنهج الاستقرائي‬
‫القائم على الملاحظة والتجريب ولا مكان فيه للفرضية‪ ،‬وحجتهم أن الفرضية تقوم على عنصر الخيال والخيال يبعدنا‬

   ‫عن الواقع‪ ،‬تجلت هذه الأطروحة في نصيحة" ماجندي" إلى أحد تلاميذه {أترك عباءتك وخيالك عند باب المخبر}‬
   ‫وتعمقت أكثر فكرة استبعاد الفرضية على يد الإنجليزي "جون ستيوارت مل" الذي وضع قواعد الاستقراء[ قاعدة‬
  ‫الاستقراء‪ -‬قاعدة الاختلاف‪ -‬قاعدة البواقي‪ -‬قاعدة التلازم في التغير] ومن الأمثلة التي توضح قاعدة الاتفاق البحث‬

     ‫الذي قام به العالم "ويلز" حول أسباب تك ّون الندى حيث لاحظ أن الندى يتكون على المرآة عند تقريبها من الفم‪،‬‬
       ‫وعلى زجاج النوافذ في الشتاء ‪ .....‬وأرجع ذلك إلى انخفاض حرارة الأجسام مقارنة مع درجة حرارة الوسط‬

‫الخارجي‪ ،‬قال "ستيوارت مل" {إن الطبيعة كتاب مفتوح لإدراك القوانين التي تتحكم فيها ما عليك إلا أن تطلق العنان‬
     ‫لحواسك} ورأى "أوجست كونت" أن الطريقة العلمية تختلف عن الطريقة الفلسفية فهي ليست بحاجة إلى التأويل‬

  ‫العقلي بل إلى الوصف من خلال إجراء التجارب وهذا ما أكد عليه "أرنست ماخ" قائلا {المعرفة العلمية تقوم على‬
                                                                                        ‫إنجاز تجربة مباشرة}‪.‬‬

     ‫نقد‪:‬هذه الأطروحة تتجاهل أن طرق الاستقراء لا يمكن أن تع ّوض الفرضية نظرا لطابعها الحسي‪ ،‬بينما القانون‬
                                                                                                 ‫العلمي إبداع‪.‬‬

‫‪/‬التركيب‪ :‬العلم ضرب من المعرفة الممنهجة فهو يدرس الظواهر المختلفة من أجل الكشف عن قوانينها وتاريخ العلم‬
  ‫يؤكد أن أهم النظريات العلمية وضعها أصحابها بالاعتماد على الفرضية [نيوتن مثلا يضع بحثه نصب عينيه وكان‬
   ‫كثير التأمل] من هذا المنطلق الفرضية لازمة ومشروعة قال "كانط{ "ينبغي أن يتقدم العقل إلى الطبيعة ماسكا بيد‬

‫المبادئ وباليد الأخرى التجريب الذي تخيله وفق تلك المبادئ} فالطرق الاستقرائية التي وضعها "ستيوارت مل" غير‬
  ‫كافية نظرا لطابعها الح ّسي فهي بحاجة إلى قوة الحدس العقلي قال "غاستون باشلار" {إن التجربة والعقل مرتبطان‬
   ‫في التفكير العلمي فالتجربة في حاجة إلى أن تفهم والعقلانية في حاجة إلى أن تطبق} فالفرضية ضرورية لا يمكن‬
                                                                                ‫استبعادها من المنهج التجريبي‪.‬‬
 ‫الخاتمة ‪:‬ومجمل القول أن المعرفة العلمية يتكامل فيها الموضوع والمنهج وعلى حد تعبير "جون المو" {العلم بناء}‬
     ‫غير أن خطوات المنهج العلمي لم تكن مسألة واضحة المعالم بل غلب عليها الطابع الجدلي فالموقف العقلي مثلا‬
   ‫تم ّسك بالفرضية فالعلم عندهم إبداع والإبداع في حاجة إلى الخيال‪ ،‬على النقيض من ذلك الموقف التجريبي رفض‬
     ‫الفرضية واقترح قواعد الاستقراء غير أن منطق التحليل كشف لنا عن عدم كفاية هذه القواعد وتأسيسا على ذلك‬
                                                                        ‫نستنتج‪:‬لا يمكن الاستغناء عن الفرضية‪.‬‬
-----------------------Page 19 End-----------------------

                                         ‫‪21‬‬  ‫مقالة حول حدود التجريب في البيولوجيا‬
‫الدرس ‪ :‬العلوم التجريبية والعلوم البيولوجية‬

     ‫الأسئلة‪ - :‬ما هي العوائق الابستمولوجية التي تحدّ من تطبيق المنهج التجريبي في البيولوجيا؟‪ -‬هل تطبيق المنهج التجريبي في‬
  ‫علوم المادة الحية مثل تطبيقه في علوم المادة الجامدة؟‪ -‬هل التجريب ممكن في البيولوجيا؟‪ -‬هل يمكن دراسة ظواهر المادة الحية‬

                            ‫وفق خطوات المنهج التجريبي؟‪ -‬هل المنهجية التجريبية في البيولوجيا محكوم عليه بالنجاح أم الفشل؟‬

‫‪ -‬المقدمة‪ :‬تنطلق الدراسات العلمية على اختلاف مضمونها ومنهجها من مرحلة البحث حيث تح ّرك العلماء أسئلة وإشكالات محيّرة‬
       ‫تقودهم إلى مرحلة الكشف من خلال بناء ملاحظات واستنتاجات مختلفة فإذا علمنا أن المنهج التجريبي أساسه التجريب وأن‬
          ‫البيولوجيا تدرس المادة الحية فالمشكلة المطروحة‪:‬هل المنهجية التجريبية في البيولوجيا محكوم عليها بالنجاح أم بالفشل؟‬

     ‫‪/1‬الرأي الأول(الأطروحة)‪ :‬ترى هذه الأطروحة أن خصائص المادة الحية تختلف عن خصائص المادة الجامدة‪ ،‬فالمادة الحية‬
 ‫أساسها التكاثر والتغير وعلى حد تعبير الطبيب الفرنسي"بيشا"{الحياة هي جملة الخصائص التي تقاوم الموت}وربطوا فشل المنهج‬
‫في البيولوجية بوجود عوائق موضوعية ترتبط بطبيعة الكائن الح ّي وذاتية (ثقافة المجتمع بكل ظواهرها) ومن هذه العوائق صعوبة‬

      ‫الفصل والعزل لأن فصل عضو من الكائن الح ّي يؤدي إلى إتلافه(موته) أو يغير في وظائفه‪ ،‬هذا ما عبّر عنه "كوفيي"{سائر‬
  ‫أجزاء الكائن الح ّي مترابطة فهي لا تستطيع الحركة إلا بمقدار ما تتحرك كلها وفصل جزء من الكتلة معناه نقله إلى نظام الذرات‬
 ‫الميتة تبديل ماهيته تبديلا تاما} ومن الأمثلة التي توضح هذه الصعوبة أن أفضل عضو من المعدة أو الكلية يؤدي إلى تغير وظائف‬

      ‫الكائن الح ّي كما ذهب إلى ذلك "كنغلهايم"‪ ،‬وتظهر صعوبة التعميم بعدم وجود تطابق بين الكائنات الحية لقد جمع "أغاسيس"‬
‫‪ 20777‬صدفة من البحر ولم يجدد أي تطابق بينها‪ ،‬هذه الحقيقة عبّر عنها "لايبندز" {لا يوجد شيئان متشابهان}والأمثلة التي تؤكد‬

      ‫ظاهر التميز البيولوجي أن الخلايا التي تنقل لفرد آخر لا يتقبلها ذلك الفرد ‪,‬أو من العوائق الابستمولوجية التي تحد من تطبيق‬
                                        ‫المنهج التجريبي غياب الحتمية والسببية لأن السلوك الإنساني يجري في مجرى الحرية‪.‬‬

                                                  ‫نقد‪ :‬هذه الأطروحة تتجاهل أن العلم الحديث قد وجد حلولا لأكثر هذه العوائق‪.‬‬

    ‫‪/2‬الرأي الثاني(نقيض الأطروحة)‪ :‬ترى هذه الأطروحة أن خصائص المادة الحية مماثلة لخصائص المادة الجامدة لوجود نفس‬
   ‫العناصر الطبيعية(هيدروجين‪ ،‬أوكسجين‪ ،‬آزوت‪ ،‬كربون‪ ).....‬وأن أفضل طريقة لدراسة المادة الحية هي الطريقة التجريبية أي‬
    ‫تفسير الظواهر الحيوية تفسيرا وضعيا من خلال ربطها بشروط فيزيائية وكيميائية عبّر عن هذه الأطروحة أصدق تعبير "كلود‬
‫برنار "قائلا{المظاهر التي تتجلى لدى الكائنات الحية مثل المظاهر التي تتجلى فيه الأجسام الجامدة تخضع لحتمية ضرورية تربطها‬
    ‫بشروط كيميائية خالصة} وأمام التقدم المذهل في التكنولوجيا لم تعد مطروحة صعوبة الفصل والعزل وعلى حدّ تعبير "توماس‬
    ‫كسكي" {أمكن فحص الجسم البشري من الخلايا المفردة إلى الحمض النووي} واستنسخ بعض العلماء النعجة[ دولي] بل وأمكن‬
   ‫القيام بعمليات جراحية دون الحاجة إلى فصل الأعضاء (جراحة القلب المفتوح مثلا)‪ ،‬والتعميم ممكن لوجود تشابه في الوظائف‬
‫حيث أثبتت بحوث علماء الوراثة ‪ ,‬كما أن التماثل الوراثي بين الإنسان والقرد من فصيلة الشمبانزي يصل إلى حدود ‪ 99‬أن النشاط‬
    ‫الآلي عند الكائنات ومثال ذلك عملية الهضم التي تبدأ بالأسنان وتنتهي في صورة أحماض أمينيه وتؤكد فكرة السببية‪ ،‬وملخص‬

                          ‫الأطروحة في عبارة"كلود برنار" {بفضل التجريب يمكننا فهم ظواهر الأجسام الحية والسيطرة عليها}‪.‬‬

                  ‫نقد‪ :‬هذه الأطروحة تتجاهل أنه لابد أن يرتبط التجريب بضوابط أخلاقية وكذا مراعاة خصوصية الكائن الح ّي‪3.‬‬

   ‫‪/3‬التركيب‪ :‬لا شك أن إشكالية حدود التجريب في البيولوجيا ترجع إلى عوائق ابستمولوجية نابعة من صميم موضوعها [العوائق‬
 ‫الموضوعية] هذه العوائق تم تجاوزها تدريجيا أولا من خلال مراعاة خصوصيات الكائن الح ّي [التغيّر والتكاثر] قال "كلود برنار"‬

     ‫{يجب على البيولوجيا أن تستعير من العلوم الفيزيائية والكيميائية المنهج التجريبي ولكن مع الاحتفاظ بخصوصياتها} وثانيا من‬
‫خلال فكرة طرح فكرة التجريب في البيولوجيا في ضوء علاقة العلم بالأخلاق والدين‪ ،‬وكما قال "بوانكريه"{لا يمكن أن يكون العلم‬

                                           ‫لا أخلاقيا لأن الذي يحب الحقيقة العلمية لا يمكنه أن يمتنع عن محبة الحقيقة الخلقية}‪.‬‬

 ‫‪-‬الخاتمة‪ :‬وفي الأخير يمكن القول أن البيولوجيا هي علم دراسة الكائنات الحية وهي بحث علمي يغلب عليه التنوع إذ يمكن دراسة‬
         ‫الظواهر الحيوية من زاوية وظائف الأعضاء وهذا ما يعرف بالفيزيولوجيا أو دراسة حدود التجريب وبناء على ما تأسس‬
                            ‫نستنتج‪:‬التجريب في البيولوجيا ممكن بشرط احترام خصوصيات الكائن الح ّي وكذا المبادئ الأخلاقية‪.‬‬

‫السؤال ‪ :‬قيل ‪ :‬بقدر ما تنجح العلوم الإنسانية في إنجاز عمل علمي حقيقي الدرس‪ :‬العلوم الإنسانية والعلوم المعيارية‬
-----------------------Page 20 End-----------------------

                                                           ‫‪21‬‬

                                               ‫يتقلص لديها التمييز بين ما هو إنساني وما هو طبيعي‬

                                                ‫أبد رأيك في هذا الحكم مبينا دواعي التقلص وحدوده‪.‬‬
                                                                                                                  ‫المقدمة ‪:‬‬

                ‫المشكلة ‪ :‬إن نجاح علوم الطبيعة على المستوى النظري والعملي قد أوحى بفكرة تكوين علوم إنسانية على منوالها ‪.‬‬
       ‫ما هي شروط علمية العلوم الإنسانية ؟ وهل يمكن اختزالها في مدى تقليصها للفوارق بين دراسة الإنسان ودراسة الطبيعة ؟‬

                                                                                                                  ‫التحليل ‪:‬‬
                       ‫محاولة الحل ‪ :‬شروط تحقق علمية حقيقية في مجال علوم الإنسان ( علوم الطبيعة نموذجا لعلوم الإنسان ) ‪.‬‬

                                                                                                ‫‪ – 1‬على مستوى الموضوع‬
    ‫ضرورة تجاوز الرؤى التي تقر بتعالي الذات على الطبيعة وباستحالة دراستها علميا ‪ :‬التأكيد على ضرورة تجاوز مركزية‬

                                    ‫الوعي وفكرة الإرادة والحرية وهو ما يؤدي إلى مماثلة الظاهرة الإنسانية بالظاهرة الطبيعية‪.‬‬
                                                                 ‫استقلالية الموضوع عن الذات تحقيقا لشرط الموضوعية‪.‬‬

 ‫قابلية الموضوع للتحديد وإعادة بنائه مخبريا مثل دراسة السلوك في علم النفس واعتبار الظاهر الإجتماعية ـ أشياء ـ في المجال‬
                                                                     ‫الاجتماعي وإعادة بناء الحدث التاريخي في علم التاريخ ‪.‬‬
                                                                                                   ‫‪ – 2‬على مستوى المنهج‬

                                                            ‫إبراز قابلية الظاهرة الإنسانية للملاحظة الخارجية والتجريب ‪.‬‬
                                                                             ‫إخضاع الظواهر الإنسانية إلى مبدأ الحتمية ‪.‬‬
                                                                            ‫إمكانية التكميم والصياغة الرياضية للقوانين ‪.‬‬

‫النقاش ‪ - :‬إبراز المفارقة التي تواجه الدراسة العلمية للإنسان فما اعتبر شرطا لنجاح علوم الإنسان يفضي إلى موت الإنسان بصفته‬
                                                                                                               ‫ذاتا واعية ‪.‬‬

                                                ‫‪ -‬إبراز خطأ الاعتقاد في اعتبار علمية علوم الطبيعة نموذجا لعلوم الإنسان‪.‬‬

   ‫إبراز أن مطلب المماثلة بين الإنسان والطبيعة قد يستجيب إلى غايات معرفية بقدر ما يخفي توجها غايته السيطرة على الإنسان ‪.‬‬
                                                                                                                  ‫الخاتمة ‪:‬‬

   ‫الحل‪:‬إن العلوم الإنسانية علوم قائمة بظواهرها الخاصة بطبيعتها تطبق المنهج العلمي في دراسة ظواهرها وفقا للخصوصية التي‬
                                                                                                                  ‫تميزها ‪.‬‬

‫الدرس ‪ :‬العلوم الإنسانية والعلوم المعيارية‬  ‫النص ‪:‬‬

    ‫من حق علوم الفكر أن تحدد بنفسها منهجها بحسب موضوعها‪ .‬فعلى العلوم أن تنطلق من أعم مفاهيم المنهجية ‪ ،‬وتسعى إلى‬
 ‫تطبيقها على مواضيعها الخاصة فتصل بذلك إلى أن تنشئ في ميدانها المخصوص مناهج ومبادئ أكثر دقة على غرار ما حصل‬

     ‫بالنسبة إلى علوم الطبيعة‪ .‬وإننا لا نبين أننا التلاميذ الحقيقيون لكبار العلماء إن نحن اكتفينا بأخذ المناهج التي توصلوا إليها ‪،‬‬
   ‫ونقلناها نقلا إلى ميداننا ‪ ،‬وإنما نكون تلاميذهم بحق حين نكيف بحثنا مع طبيعة مواضيعه فنتصرف إزاء علمنا تصرفهم إزاء‬
‫علمهم ‪ .‬إن التحكم في الطبيعة يكون بالامتثال لها ‪.‬وأول ما يميز علوم الفكر عن علوم الطبيعة أن علوم الطبيعة موضوعها وقائع‬
   ‫تبدو للوعي كما لو كانت ظواهر بعضها بمعزل عن بعض من الخارج ‪ ،‬والحال أنها تبدو لنا من الداخل واقعا ومجموعة حية‬
 ‫أصلا‪ .‬والحاصل من هذا أنه لا يوجد في العلوم الفيزيائيّة والطبيعية مجموع منسجم للطبيعة إلا بفضل استدلالات تكمل معطيات‬
‫التجربة بواسطة منظومة من الفرضيات ؛ أما في علوم الفكر فان مجموع الحياة النفسية يمثل قي كل مكان معطى أوليا وأساسيا‪.‬‬

                                                                                  ‫فالطبيعة نفسرها‪ ،‬والحياة النفسية نفهمها‪.‬‬

‫ذلك أن عمليات الاكتساب و مختلف الطرائق التي تترابط بواسطتها الوظائف – وهي العناصر الخاصة بالحياة الذهنيّة‪ -‬فتشكل كلا‬
 ‫‪ ،‬تمدنا بها أيضا التجربة الداخلية‪ .‬وهنا نجد أن المجموع المعيش هو الشيء الأولي ‪ ،‬أما التمييز بين الأجزاء التي يتكون منها فلا‬

      ‫يأتي إلا في المرتبة الثانية‪ .‬يترتب على ذلك أن المناهج التي نعتمدها لدراسة الحياة الفكرية و التاريخ و المجتمع مختلفة أشد‬

                                                                         ‫الاختلاف عن المناهج التي أدت إلى معرفة الطبيعة‪.‬‬
-----------------------Page 21 End-----------------------

                                                           ‫‪22‬‬

                                     ‫دلتاي‬
                ‫"أفكار في علم نفس وصفي وتحليلي"‬

                                                                                                                   ‫الإجابة‪:‬‬
                                                                                                                   ‫المقدمة‪:‬‬
        ‫تف ّطن كلود ليفي ستراوس إلى أ ّن ما يش ّرع لقيام علم يهت ّم بدراسة ال ّظاهرة الإنسانية هو وجود عناصر ثابتة وكلّية تتخ ّطى‬
                          ‫التّحديدات ال ّزمانيّة و المكانيّة‪ ،‬أو بالأحرى بنية تم ّكن من استخدام المنهج التّجريبي بشكل ناجع ومفيد‪.‬‬
‫لكن‪ ،‬ألا يكون هذا النّجاح المنهجي قائما على تجاهل لطبيعة و لخصوصيّة ال ّظاهرة الإنسانية و رهين استبعاد الإنساني و القيمي و‬
        ‫الدّلالي ؟ فهل من إمكان لمنهج يضمن‪ ،‬في آن‪ ،‬الإبقاء على خصوصيّة الموضوع‪ ،‬و تحقيق العلوميّة و الموضوعيّة للعلوم‬
                                                                                                                ‫الإنسانية ؟‬
                   ‫الأطروحة‪ :‬إن التّأسيس الفعلي لعلوم الفكر ( العلوم الإنسانية ) يم ّر ضرورة عبر تو ّخي منهج الفهم و التّأويل ‪.‬‬
     ‫الأطروحة المستبعدة‪ :‬لا تنجح العلوم الإنسانية في تحقيق علوميّتها إلا إذا سحبت مناهج العلوم ال ّطبيعيّة على العلوم الإنسانيّة‪.‬‬
                ‫الإشكالية‪ :‬كيف يمكن تحقيق علوميّة علوم الفكر رغم اختلاف موضوعها الجذري عن موضوع العلوم ال ّطبيعيّة ؟‬
                                     ‫أو‪ :‬هل من سبيل إلى تأسيس العلوم الإنسانية تأسيسا علميّا يراعي خصوصيّة موضوعها ؟‬
                                                                                                     ‫تفكيك عناصر التّحليل‪:‬‬
                                                              ‫الفرق بين ظواهر ال ّطبيعة و ظواهر الفكر ( مستوى الموضوع(‬
                               ‫‪2.‬إشكال الخيار المنهجي ) التّفسير أم التّأويل ) و إستتباعاته على مسألة علوميّة العلوم الإنسانية‪.‬‬
                                                                                                                   ‫التّحليل‪:‬‬
                                                           ‫‪1.‬الفرق بين ظواهر ال ّطبيعة و ظواهر الفكر ( مستوى الموضوع(‬
                                                                ‫ظواهر الفكر ظواهر ال ّطبيعة · تدرك في إطار تجربة داخليّة‪.‬‬
                                                                                                    ‫التحام الذّات بالموضوع‬
                                               ‫·معطاة في التّجربة الدّاخليّة في شكل " مجموع معيش " يمتاز بكلّيته و وحدته‪.‬‬
                                          ‫·مه ّمة الباحث محاولة فهم التّجربة الإنسانية دون إقصاء القصدي و الغائي و الدّلالي‪.‬‬
                                                                                           ‫·تدرك في إطار تجربة خارجيّة‪.‬‬
                                                                                               ‫فصل بين الذّات و الموضوع‬
                                                          ‫·معطاة في التّجربة في شكل ظواهر مستقلّة و مشتّتة لا رابط بينها‪.‬‬
‫·مه ّمة الباحث تتمثّل في تنظيم و توحيد هذه الوقائع ال ّطبيعيّة بفضل فرضيّات تحاول الانتباه إلى العلاقات السببيّة الموضوعيّة بين‬
                                                                                                                  ‫ال ّظواهر‪.‬‬
                                                                                                   ‫و ذلك هو منهج التّفسير‪.‬‬
                               ‫‪2.‬إشكال الخيار المنهجي ( التّفسير أم التّأويل ) و إستتباعاته على مسألة علوميّة العلوم الإنسانية‪:‬‬
  ‫·إذا كانت ظواهر الفكر غير ظواهر ال ّطبيعة‪ ،‬لا يمكن تأسيس علم بها بالاستناد إلى المنهج المعتمد في العلوم ال ّطبيعيّة كما ذهب‬
                                                                                                    ‫إلى ذلك أوغست كونت‪.‬‬
     ‫·على العلم الإنساني أن يراعي خصوصيّة ال ّظاهرة التّي يدرسها و يستبدل التّفسير‪ ،‬من حيث هو يفترض انفصال الذّات عن‬
                                                                                               ‫الموضوع‪ ،‬بالفهم أو التّأويل‪:‬‬
     ‫" ×فال ّطبيعة نف ّسرها "‪ :‬أي نحدّد شروط ظواهرها و العلاقة الثّابتة بين هذه ال ّشروط‪ ،‬أي نصوغها في قانون‪ .‬وذلك ما تفعله‬
                                                                                           ‫الفيزياء و الكيمياء و الفلك الخ…‬
       ‫×أ ّما ال ّظاهرة الإنسانية فنفهمها‪ .‬و هذا الفهم هو المنهج الوحيد الذّي يلائم دراسة ال ّظواهر الإنسانية‪ .‬و نعني بالفهم الإدراك‬
‫الحدسي للدّلالة القصديّة لنشاط إنساني ما‪ .‬فالفهم جهد نحو النّفاذ‪ ،‬وراء ال ّظواهر المدروسة‪ ،‬إلى الدّلالات و المقاصد الإنسانية التّي‬
                                                                                      ‫صبغتها الذّوات على تجاربها المعيشة‪.‬‬
                        ‫العالم الإنساني مدع ّو‪ ،‬إذن‪ ،‬إلى استحضار معيش الآخرين في كلّيته دون عزل المعنى و الدّلالة و القيمة‪.‬‬
         ‫يقتضي الفهم نظرة إلى الواقعة الإنسانية في كلّيتها و شموليّتها تبتعد عن التّشتيت و التّجزئة ‪( Comprendre = Prendre‬‬

                                                                                                ‫‪ensemble la totalité du vécu humain ).‬‬

‫مثال ‪ :‬فهم إصلاح قانوني أو قضائي معيّن يستوجب النّظر في المجموع التّاريخي‪ ،‬الاجتماعي و الثّقافي الذي أفرز هذا الإصلاح (‬
                                                      ‫دون عزل و إقصاء و تشتيت و تجزئة و ذلك على عكس علوم ال ّطبيعة (‬

 ‫إن الوقائع الإنسانية‪ ،‬إذن‪ ،‬لا تدرك من الخارج‪ ،‬كال ّظواهر ال ّطبيعيّة‪ ،‬بل تعاش ضمن تجربتنا الذّاتيّة‪ .‬و لذلك يس ّمي (دلتاي) العلوم‬
                                                                         ‫الإنسانية بالعلوم الذاتيّة في مقابل العلوم الموضوعيّة‪.‬‬
                                                                                                                ‫‪v‬الإشكال‪:‬‬

    ‫إذا ما سلّمنا بأ ّن العلوم الإنسانية هي علوم تعتمد على الفهم و على التّأويل‪ ،‬فكيف يمكن أن تكون لنتائجها و لنظريّاتها صلاحيّة‬
       ‫موضوعيّة ؟ ث ّم ألا نسقط في ال ّريبيّة و في النّسبيّة حين نرفض مع دلتاي أن تكون هذه العلوم مج ّرد تجميع لوقائع منفصلة و‬
                                                                                                           ‫مترابطة سببيّا ؟‬

   ‫و هل يقودنا ذلك إلى حدّ الحكم‪ ،‬مع نيتشه‪ ،‬بأنّه " لا توجد وقائع و إنما فقط تأويلات " ؟ بحيث نقابل المثل الأعلى الموضوعي‪،‬‬
-----------------------Page 22 End-----------------------

                                                           ‫‪23‬‬

                                                        ‫الذي يسعى العلم إلى تحقيقه‪ ،‬به ّوة ذاتيّة نقع فيها في إطار هذه العلوم ؟‬
                                                                                                        ‫‪-v‬تجاوز الإشكال‪:‬‬

‫لا يجب أن نعتقد أ ّن دلتاي يقصي التّفسير نهائيّا و يعتبر أ ّن العلوم الإنسانية تكتفي بالفهم‪ .‬فهو مثلا لا يختزل علم التّاريخ في مج ّرد‬
‫فهم الأحداث أو الوقائع‪ .‬فالموضوعات التّي يتناولها عالم التّاريخ محدّدة بشكل موضوعي في ال ّزمان و المكان‪ ،‬و هي من حيث هي‬

                                                               ‫كذلك تش ّكل جزءا من ال ّطبيعة الخارجيّة يخضع لقوانين ال ّسببيّة‪.‬‬
    ‫لكن إن كانت ال ّظواهر التّاريخيّة تخضع لحتميّة مشابهة لحتميّة ال ّطبيعة‪ ،‬فهي تتميّز عن هذه الأخيرة من حيث هي ظواهر ذات‬
‫دلالة‪ ،‬و هي بما هي كذلك لا تتحدّد فقط بسببيّة موضوعيّة و طبيعيّة‪ ،‬بل كذلك و في نفس الوقت بسببيّة قصديه‪ .‬فلا يمكن‪ ،‬في هذا‬

                                                    ‫ال ّسياق أن نقصي نوايا و مقاصد ال ّشخصيّات التّي ساهمت في هذه الأحداث‪.‬‬
   ‫يجب إذن‪ ،‬في إطار العلوم الإنسانية‪ ،‬أن لا نكتفي برصد علاقات سببيّة موضوعيّة تستبعد كلّيا ك ّل ما هو كيفي وقيمي و دلالي (‬
 ‫شأن التّفسير في العلوم ال ّطبيعيّة )‪ ،‬بل من ال ّضروري محاصرة البعد الدّلالي و الغائي‪ ،‬والاعتراف بأ ّن هذه الوقائع وليدة خيارات‬

                                                                ‫قيميّة‪ ،‬غائيّة‪ ،‬أخلاقيّة‪ ،‬سياسيّة‪ ،‬دينيّة‪ ،‬اجتماعيّة‪ ،‬ثقافيّة الخ …‬
 ‫ينتج عن ذلك أنّه يتو ّجب على العلوم الإنسانية أن تعرف كيف تراوح بين التّفسير ( لفهم ال ّشروط الموضوعيّة للوقائع‪ :‬رصد سببيّة‬

   ‫خارجيّة ) و الفهم ( للامساك بالمقاصد و الغايات و تحديد البعد الدّلالي لهذه الوقائع‪ :‬رصد سببيّة باطنيّة و قصديه – المعنى ( ‪.‬‬
-----------------------Page 23 End-----------------------

                                                      ‫‪26‬‬

                                    ‫فهرس الموضوعات‬

‫الدرس‬                       ‫الصفحة‬  ‫الموضوع‬                                                      ‫الترتيب‬

‫الإحساس والإدراك‬            ‫‪1‬‬       ‫هل يمكن الفصل بين الإحساس والإدراك ؟‬                         ‫‪1‬‬

‫اللغة و التواصل‬             ‫‪1‬‬       ‫هل يمكن التفكير بدون لغة ؟‬                                   ‫‪2‬‬

‫الشعور واللاشعور‬            ‫‪2‬‬       ‫هل يشكل الشعور مجمل الحياة النفسية عند الإنسان ؟‬             ‫‪3‬‬

‫الذاكرة‬                     ‫‪3‬‬       ‫ما الذاكرة ؟‬                                                 ‫‪4‬‬

‫الذاكرة والذكاء‬             ‫‪4‬‬        ‫هل ترى أن هناك علاقة بين الذاكرة والذكاء ؟‬                  ‫‪5‬‬
    ‫التخيل‬                  ‫‪5‬‬                                                                    ‫‪6‬‬
    ‫العادة‬                  ‫‪6‬‬       ‫يقول ‪ :‬أن تقدم البشرية يتم بفضل هؤلاء الذين يتجاوزون‬         ‫‪0‬‬
                                                                     ‫حاضرهم بمخيلتهم ‪..‬‬

                                    ‫قيل ‪ :‬إن العادة هي ما يقابل الغريزة ‪ ،‬ما رأيك ؟‬

‫‪ 8‬إلى أي مدى تكون العادة مصدرا لفعالية السلوك ؟ ‪ 6‬العادة‬

‫الأخلاق‬                     ‫هل يمكن أن تتحول الأخلاق إلى دراسات للعادات الأخلاقية ؟ ‪6‬‬            ‫‪9‬‬

‫الأخلاق‬                     ‫‪ 17‬يقول ‪ :‬لا يوجد غيري فأنا وحدي الذي أقرر الخير واخترع الشر ‪8‬‬

‫الأخلاق‬                     ‫‪8‬‬       ‫لماذا يثير وجود الشر مشكلة ميتافيزيقية ؟‬                     ‫‪11‬‬

‫الأخلاق‬                     ‫‪17‬‬      ‫‪ 12‬هل يمكن إقامة الأخلاق على أساس العقل وحده ؟‬

‫الأخلاق و الاقتصاد‬          ‫‪11‬‬      ‫هل الدولة بحاجة إلى الأخلاق ؟‬                                ‫‪13‬‬

‫الحقيقة الفلسفية و الحقيقة‬  ‫‪13‬‬      ‫إلى أي حد يكمن اعتبار مطلقة في الفلسفة ؟‬                     ‫‪14‬‬
        ‫العلمية‬

‫الرياضيات و المطلقية‬        ‫‪14‬‬      ‫هل ترى أن المفاهيم الرياضية في تطورها نابعة من التجربة أم‬    ‫‪15‬‬
                                                            ‫من العقل ؟‬

‫الرياضيات و المطلقية‬        ‫‪15‬‬      ‫أي الخصائص يمكنها أن تميز بين التفكير المنطقي و التفكير‬      ‫‪16‬‬
                                                           ‫الرياضي ؟‬

‫الرياضيات و المطلقية‬        ‫‪16‬‬      ‫هل ترى أن المفاهيم الرياضية نابعة من التجربة أم العقل ؟‬      ‫‪10‬‬

 ‫الرياضيات و المطلقية‬       ‫‪ 18‬قارن بين المعرف الرياضية و المعرفة التجريبية ؟ ‪18‬‬
                            ‫‪ 19‬دور الفرضية في المنهج التجريبي ؟ ‪19‬‬
‫العلوم التجريبية و العلوم‬
      ‫البيولوجية‬            ‫‪ 27‬نقالة حول حدود التجريب في البيولوجيا ‪27‬‬

‫العلوم التجريبية و العلوم‬   ‫‪21‬‬      ‫قيل ‪ :‬بقدر ما تنجح العلوم الإنسانية في إنجاز عمل عملي حقيقي‬  ‫‪21‬‬
      ‫البيولوجية‬                        ‫يتقلص لديها التمييز ما هو أنساني و ما هو طبيعي ‪...‬‬

‫العلوم الإنسانية و العلوم‬   ‫‪ 22‬تحليل نص لـ ‪ :‬دلتاي ‪21‬‬
       ‫المعيارية‬

‫العلوم الإنسانية و العلوم‬
       ‫المعيارية‬
-----------------------Page 24 End-----------------------

      

مقالات فلسفية شعبة اداب وفلسفة 2018 الجزء الثاني  مقالات فلسفية شعبة اداب وفلسفة  2018  الجزء الثاني بواسطة kamel في 12.9.17 تقييم: 5

ليست هناك تعليقات:

يتم التشغيل بواسطة Blogger.